هو أوسع تاريخ عربي أبقته الأيام لصاحبه أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفي سنة عشر وثلاثمائة قال ابن خلكان في ترجمته هو صاحب التفسير الكبير والتاريخ الشهير كان إماماً في فنون كثيرة منها التفسير والحديث والفقه والتاريخ وغير ذلك وله مصنفات مليحة في فنون عديدة تدل على سعة علمه وغزارة فضله وكان من الأئمة المجتهدين لم يقلد أحداً. . . وكان ثقة في نقله وتاريخه أصح التواريخ وأثبتها.
هذه خلاصة حال هذا العلامة الكبير وقد أصابه ما أصاب كبار العلماء في الإسلام من الحط من شأنه وإيذائه قال ابن الأثير وفي هذه السنة (٣١٠) توفي محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ ببغداد ومولده سنة أربع وعشرين ومائتين ودفن ليلاً بداره لأن العامة اجتمعت ومنعت من دفنه نهاراً وادعوا عليه الرفض ثم ادعوا عليه الإلحاد وكان علي بن عيسى يقول والله لو سئل هؤلاء عن معنى الرفض والإلحاد ما عرفوه ولا فهموه هكذا ذكره ابن مسكويه صاحب تجارب الأمم وحاشا ذكر الإمام عن مثل هذه الأشياء وأما ما ذكره من تعصب العامة فليس الأمر كذلك وإنما بعض الحنابلة تعصبوا عليه ووقعوا فيه فتبعهم غيرهم ولذلك سبب وهو أن الطبري جمع كتاباً ذكر فيه اختلاف الفقهاء لم يصنف مثله ولم يذكر فيه أحمد بن حنبل فقيل له في ذلك فقال لم يكن فقهياً وإنما كان محدثاً فاشتد ذلك على الحنابلة وكانوا لا يحصون كثرة ببغداد فشغبوا عليه وقالوا ما أرادوا:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالناس أعداءٌ له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسداً وبغضاً أنه لدميم
وقال الإمام أبو بكر الخطيب كان الطبري أحد أئمة العلماء يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره فكان حافظاً لكتاب الله عارفاً بالقرآات بصيراً بالمعاني فقيهاً في أحكام القرآن عالماً بالسنن وطرقها صحيحها وسقيمها ناسخها ومنسوخها عارفاً بأقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم في الأحكام ومسائل الحلال والحرام خبيراً بأيام الناس وأخبارهم وله الكتاب المشهور في تاريخ الأمم والملوك والكتاب الذي في التفسير لم يصنف مثله وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة وأخبار من أقاويل الفقهاء وتفرد بمسائل حفظت عنه.
وقال ابن خزيمة حين طالع كتاب التفسير للطبري ما أعلم على أديم الأرض أعلم من أبي