للتأليف طريقتان طريقة الاعتماد على من سبق لمؤلف ونقل كلامهم ليدعم به قوله ويؤيد رأيه وطريقة إبداء رأي المؤلف مباشرة دون الاستشهاد بأقوال غيره مهما بلغت من المكانة. والطريقة الأولى هي الطريقة العلمية المقنعة التي تبقى على الدهر ويصعب أن يتطرق إليها الخلل إلا إذا ظهرت نصوص كثيرة صحيحة تخالف ما استشهد به الكاتب.
فقد رأى ديكارت الفيلسوف الفرنسوي أن ليس في مذاهب الغير ولاسيما في الفلسفة كبير أمر وأنا الأجدر ولو ببعض أرباب العقول أن يبحثوا عن الحقيقة بما فيها من الأسرار الخاصة دون الاحتفال بالمذاهب الأخرى التي ذهب إليها غيره في هذه المسألة بيد أن بعض إشياع فلسفة ديكارت نفسهم يرون أن هذا البحث على خلوه من فائدة ضار لأنه يسلب من العقل في تقدير الأشياء قدرها.
ويرى الفيلسوف كوزين الفرنسوي غير رأي ديكارت بل أنه غالى في ضرورة درس المذاهب الفلسفية السالفة حتى تدرج إلى أن مزج الفلسفة بتاريخ الفلسفة ومن رأيه ان الطريقة الفلسفية الوحيدة الجديرة بهذا العصر أن يدرس المؤلف المذاهب كلها ويقابل بين المذاهب التي ظهرت إلى اليوم على مشهد العقل البشري من المذاهب المتناقضة.
قم عاد ديكارت أيضاً فقال أن المصنفات التي يصنفها جماعة قد تكون في كمالها دون التي يصنفها فرد واحد وتدرج من ذلك إلى أن قال أن العلوم التي تألفت على التوالي من آراء كثيرين قد يكون حظها من الأخذ بطرف من الحق أقل من العلوم التي هي ثمرة فكر واحد.
ومن العادة عند مؤلفي الغربيين إذا أرادوا الكتابة أن يطالعوا جميع ما يمكنهم مطالعته في الموضوع الذي يريدون الخوض فيه فيطالع الألماني ما كتبه الإفرنسي والإيطالي والروسي والإنكليزي والأميركي وغيره غيرهم لتكون كتابته مؤيدة بالشواهد الصحيحة ولذا قرأ سبنسر فيلسوف الإنكليز في القرن التاسع عشر ١٧٣ كتاباً قبل أن يكتب كتابه العدل. وهكذا كل مؤلف في الغرب اليوم.
وبعد فماكل قول ينقل ويستشهد به حجة لتأييد الكلام وإنما ينقل قول يكون قائله قدوة وإلا فما من قول إلا وقد قيل كما قال كثير من الحكماء. وقد نشأ من نقل أقوال كيفما اتفق اختلاف كثير حتى أن الباحث إذا دقق النظر يرى أن تلك الأقوال ترجع إلى قول أو قولين ممن يعتد بهم ولو أمكن لكل مؤلف أن يسلك طريقة الجاحظ في قوله: إنما أحكي لك من