للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أخبار العلماء بأخبار الحكماء]

من الكتب الجيدة في التراجم هذا الكتاب للوزير جمال الدين أبي الحسن علي القفطي من أهل القرن السابع طبع أولاً في ليبسيك وأعيد طبعه في القاهرة فتداولته الأيدي وعم الانتفاع منه كما عم من قبل كتاب عيون الآن باء في طبقات الأطباء لموفق الدين أبي العباس أحمد المعروف بابن أبي اصيبعة من أصل ذاك القرن إلا أن كتاب أخبار الحكماء مال فيه صاحبه إلى الاختصار حتى جاء في نحو نصف طبقات الأطباءِ وإن كان زاد عليه بعض التراجم لأن المترجمين في كلا السفرين النفيسين تجاوزوا الأربعمائة.

سرد ابن القفطي أسماء مترجميه على حروف المعجم بحسب تقادم عهدهم بخلاف ابن أبي أصيبعة الذي أتى بالتراجم بحسب الأقطار ثم بحسب سني ولاداتهم ولم يشبع الأول الكلام إلا في بعض الأشخاص وربما أوجز في الأحايين إيجازاً لا يكاد يقع فيه ابن أبي أصيبعة إلا نادراً والغالب أن هذا وقف في جملة ما وقف عليه من الكتب كتاب القفطي فاستعان به وزاد عليه لأن هذا توفي سنة ٦٤٦ في حلب وابن أبي أصيبعة توفي سنة ٦٦٨ في صرخد من بلاد الشام ولا يعقل أن يكون رجلان متعاصرين ولا يطلع أحدهما على ما يكتبه الآخر فقد نرى بعض التراجم في بالحرف الواحد في كلا الكتابين ولعل المصادر التي أخذ عنها المؤلفان كانت واحدة فجاءت بعض تراجم مترجميهم بعبارة واحدة.

ومع أن ابن القفطي اشتهر بأنه من كبار غلاة الكتب وهو ذو ثروة واسعة وفي منصب الوزارة نرى ابن أبي أصيبعة من طبقة الأطباء في عهده يهدي كتابه إلى أحد وزراء دمشق ومع هذا تقرأ فيه سعة المادة المدهشة ولكن المتأخر قد يفوق المتقدم ولا عبرة بتقادم الميلاد كما لا عبرة باختلاف البلاد إذا كان الترقي فيها عاماً.

وهنا لا بأس بإيراد طرف من ترجمة صاحب أخبار الحكماء زيادة في البيان فهو علي بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد بن موسى وزير حلب القاضي الأكرم الوزير جمال الدين أبو الحسن بن القفطي أحد الكتاب المشهورين وكان أبوه القاضي الشرف كاتباً أيضاً ولد بقفط من الصعيد الأعلى بالديار المصرية وأقام بحلب وكان بقوم بعلوم من اللغة والفقه والحديث وعلوم القرآن والأصول والمنطق والنحو والهندسة والتاريخ والجرح والتعديل ولد سنة ستين وخمسمائة وتوفي سنة ست وأربعين وستمائة وكان صدراً محتشماً كامل السؤدد وجمع من الكتب ما لا يوصف وقصد بها من الآفاق وكان لا يحب من الدنيا سواها