للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الميكروب]

تولده وعلة الاختمار

انقسم العلماء نظرياً بناء على اكتشاف شوان السابق بيانها في علة الاختمار إلى ثلاثة أقسام. أولهم القائلون أن الاختمار عارض يطرأ على بعض الجوامد في أحوال مخصوصة لا ينتج ولا يتوقف حصوله على الخلايا أو الميكروب التي لا يكون لها فعل أو مدخل في الاختمار إذا وجدت في شيء من تلك المواد بل تصادف أحياناً فيها لأنها تتكون منها بنوع طارئ بلا علة أو والد. سمي أهل العلم (أصحاب التولد الذاتي أو الطر آني). والقسم الثاني هم القائلون أن الاختمار فعل حيوي قائم بالخلايا وملازم لحياتها وهي تنمو وتتكأثر وتتخلد طبيعياً بالتناسل وهؤلاء هم (الحيويين).

والقسم الثالث هم الذين ينسبون الاختمار إلى فعل كيماوي. وكان الرأي الأول مرجحاً ومقبولاً عند جميع الذين ينسبون لما لم يكن قائماً على أساس وقاعدة علمية وليس في تعليلاته النظرية ما يشفي غليل المنتقد المتوغل ويقنع النبيه المتبصر كان يقوم الحين بعد الآخر من يخطئ القائلين به ويحاول اكتشاف سبب حقيقي وتعليل تركن إليه العقول ويقبله الحدس السليم. وكان كثيرون قد وقعوا على الحدس وقرروا وجود سبب خفي عن الأبصار يكون علة الاختمار والأمراض ولكنهم كانوا قاصرين عن إثباته ببرهان تستند قضاياه على الإدراك حسياً ومنطقياً.

ففي سنة ١٧٧٦ حاول (سيلنزاني) الإيطالي إثبات وجود الخلايا وبيان تولدها وفعلها في الاختمار مستنداً على التجارب فأخذ بعض السوائل الاختمارية ووضعها في أكواب من الزجاج أحكم سدها ثم غلاها في الماء قاصداً إتلاف ما فيها من الخلايا أو الميكروب ومنع دخول الهواء إليها بعد الغليأن فنجحت تلك. لأن بعض الأكواب دامت معقمة لم يفسد ما فيها ولم يتخمر. وذاع خبرها فبينت عليها كيفية حفظ بعض المأكولات من الفساد بوضعها في علب تغطى ويحكم سدها ليمتنع دخول الهواء إليها.

إن نجاح هذا المسعى وأن لم يكن غير كاف لإقناع الكافة فقد كفاه فضلاً إدخاله الشك على المذهب القديم وفتحه باباً للدخول علمياً وعملياً في الموضوع.

وبعد ذلك قام كثيرون وتفرعوا للبحث والتوغل في المسألة وخصوا أنفسهم لها ويذلوا