للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مطبوعات ومخطوطات]

المقابسات

في المؤلفين ناس رزقوا الحظ في مؤلفاتهم فانتشرت في حياتهم وبعد مماتهم انتشاراً وأي انتشار ومن هؤلاء الغزالي والماوردي وابن جرير وابن تميمية ومنهم من بقيت تواليفهم مستورة عن الأعين أحياء وأمواتاً ولم ينالوا الحظوة فيها كأن يكون من تلامذتهم أو أولادهم أو أصدقائهم من يحتفظ بما كتبوه وينشره في كل أفق على نحو ما فعل ابن الرومية ونشر في المشرق كتب ابن حزم ولولاه لما أبقى منها التعصب باقية. والغالب أن أبا حيان التوحيدي صاحب كتاب المقابسات هو من أهل الفئة الثانية إذ لم أر واحداً في العشرة من الخاصة من سمع باسمه دع عنك من قرأ له رسالة أو فصلاً مع أنه من أمراء الإنشاء وجهابذة الحكماء والعلماء.

نشأ المؤلف في زمن خدمه السعد وحف بالبركة بفضل قوة الاستمرار وما كان في العصرين الزاهرين قبله من علية العلماء وجلتهم والعلم لا يذكو إلا بالأمن والراحة ولا يغني غناءه إلا إذا تسلسل في أجيال عدة حتى صار لهم ملكة راسخة وسنة متبعة. والتوحيدي علي بن محمد نسبة لنوع من التمر ببغداد يقال له التوحيد قال ابن قاضي شهبة وإنما قيل له التوحيدي لأن أباه كان يبيع التوحيد ببغداد وعليه حمل بعض من شرح ديوان المتنبي قوله:

يترشفن من فمي رشفت ... هنَّ فيه أحلى من التوحيد

قال ابن خلكان إن أبا حيان كان قد وضع كتاباً سماه مثالب الوزيرين ضمنه معايب أبي الفضل ابن العميد والصاحب بن عباد وتحامل عليهما وعدد نقائصهما وسلبهما ما اشتهر عنهما من الفضائل والأفضال وبالغ في التعصب عليهما وما أنصفهما قال وكان أبو حيان فاضلاً مصنفاً له من الكتب المشهورة الإمتاع والمؤنسة في مجلدين وكتاب البصائر والذخائر وكتاب الصديق والصداقة. وتوفي أبو حيان على رأس الأربعمائة. وكلام المرء أحفل ترجمة تعرب عن صفاته ومناقبه.

ولأبي حيان من الكتب كتاب المقابسات وهو صغير الجرم كبير الفائدة ذكر فيه وأكثره من محفوظه بعض ما وقع له من مفاوضات علماء عصره في بغداد وكانوا يجتمعون في دار