ما أشبه الليلة بالبارحة والعلم متشابه في أعماله على اختلاف العصور والأصقاع لا تكاد تجد فروقاً يمتد بها. والإنسان حين كاد يوشك أن يكون واحداً في الشرق والغرب في تصوراته ومناحيه، ذكر الحازمي أن البديع اسم بناء عظيم للمتوكل بسر من رأى وقال اليعقوبي: بنى المتوكل قصوراً أنفق عليها أموالاً عظاماً منها الشاه والعروس والشبدار والبديع والغريب والبرج وأنفق على البرج ألف ألف وسبعمائة ألف دينار وذكر الأصفهاني أنه شغب ألفرسان على السلطان في بغداد سنة ٣١٥ فأحرقوا القصر المعروف بالثريا وانتهبوا ما فيه من الخزائن وخربوا القبة والقصر المعروف بالأترجة والكوكب وسلبوا ما كان فيه من الآلة والمتاع والوحش والطير ثم بكروا من الغد إلى الحلبة فأحرقوا أبوابها وقصدوا القصر المعروف بالحسن الذي ينزل فيه المقتدر فبقوا إلى المساء يشغبون ثم بكروا من الغد إلى القصر المعروف بالبديع وبهذا ظهر أن اسم البديع أطلق على قصرين في العراق الأول في سر من رأى والثاني في بغداد وكان هذان القصران موجودين إلى تاريخ المئة الرابعة وأنشأ في المئة العاشرة قصر اسمه البديع في مراكش خاصرة الغرب الأقصى أنشأه المنصور عام ستة وثمانين وتسعمائة من خلافته وأنفق جلائل الأموال ونفائس الذخائر ذلك أنه أراد كما في مناهل الصفا أن تكون لأهل البيت به مأثرة وشفوف على دولة البربر وغيرهم من المرابطين والموحدين ومن بعدهم بني مرين فكان كل من أهل تلك الدول ابتنى بناءً يحيى به ذكره ولم يكن لأهل البيت في ذلك المعنى شيء تزداد به حظوتهم مع أنهم أحق الناس بالجد الأصيل والسؤدد الأثبل فتصدى لبنائه بقصد تشريف أهل البيت لأن البناء كما قيل من فوائده:
هم الملوك إذا أرادوا ذكرها ... من بعدهم فبالسن البنيان
إن البناء إذا تعاظم شأنه ... أضحى يدل على عظيم الشأن
اتصل العمل في هذا البناء من سنة ٩٨٦ إلى ١. . ٢ ولم يتخلل ذلك فترة وحشر له الصناع حتى من بلاد الإفرنجة فكان يجتمع كل يوم من أرباب الصنائع ومهرة الحكماء خلق كثير حتى كان ببابه سوق عظيم يقصده التجار ببضائعهم ونفائس أعلاقهم وجلب له