[انتقادات على محمد كرد علي]
[١ - من مشاركة (أبو مشاري) في ملتقى أهل الحديث]
لا زال الزمن يكشف لنا عن أقنعة، لمعظمين، لا يستحقون التعظيم، والقائمة في هؤلاء تطول، ولكن أعرض هنا، لبعض النظرات في مذكرات محمد كرد علي، رئيس مجمع اللغة العربية في دمشق الشام، ووزير معارفها الأسبق، وصاحب مجلة المقتبس، والذي كنا نحسن فيه الظن، لتتلمذه على العلامة طاهر الجزائري، وامتداحه في مقالته ابن تيمية، والوهابية مع الإمام محمد بن عبد الوهاب.
حيث أني قد أنهيت قبل أيام النظر في مذكراته، في مجلداتها الأربع، والتي طبعت، بإعادة التصوير من دار أضواء السلف، طمعا في الاستفادة منها، ولأضيف لعمري عمرا آخر، كما استفدنا من ذكريات العلامة الموسوعي الأديب علي الطنطاوي رحمه الله رحمة واسعة، إذ فيها كل ما لذ وطاب.
ولكن تبين في مذكرات كرد علي عدة أمور، أعرض لبعضها:
* قلة الفائدة، خاصة في زماننا هذا، حيث غلب على مذكراته، الناحية السياسية، وتكلم على أحداث، وتفاصيل غير مهمة في شأن الدولة العثمانية، والدولة السورية.
وكنت بحثت عن اسمه في مجلة المنار لمحمد رشيد رضا رحمه الله، فرأيته يقول عنه، أنه ليس له في السياسة علم.
والعجيب أن كرد علي في كتابه (المعاصرون) ذكر هذا عن محمد رشيد رضا، أي أنه لا يفهم بالسياسة!.
* كتب مذكراته عند كبر سنه، فأساء الحكم على الرجال، والأزمان، كما ذكر الزركلي في أعلامه، والطنتطاوي في مذكراته، وغيرهم، وعلى حد تعبير الزركلي، أن خوفه من جمال باشا السفاح التركي، ظل يلاحقه حتى بعد سقوط الدولة العلية.
* الخلل العقدي العظيم عند هذا الرجل، إذ أنه لا يكاد يؤمن، بعقيدة الولاء والبراء، فهو قومي وطني بحت، حتى إنه ليقول أنه يأنس للياباني الذي أخذ بأسباب الحضارة والمدنية وإن لم يكن مسلما أكثر من، القروي الأمي المسلم!، أضف إلى ذلك ثناءه الحار وحبه لبعض الدرز والمورون والقساوسة ... الخ فقط لأنهم عرب.
* يثني في أكثر من موضع على مذهب المعتزلة، فيقول: ((لما انقرض مذهب المعتزلة تراجع أمر المسلمين عامة)) ٤/ ١٢٥٢.
* يدعو بدعوة مضل المرأة (قاسم أمين) كما في مقاله ((الحجاب والسفور)) ٤/ ١٠٤٨، يبارك ما بدأ في الشام من زيادة السفور يوما بعد يوم ببركة دعاة التحرير، ويزعم أن آية الحجاب خاصة في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم!.
ويقول في موضع آخر ((ربما كان النساء يفضلن الحجاب على السفور حتى تستر صورخن القبيحة عمن يسارقوهن النظر متخيلين أن هناك جمالا ما وقعت على مثله عين)) ٤/ ١٢٧١.
* نشأ حزب الإخوان المسلمون في عهده، على يد الإمام حسن البنا رحمه الله، فاتهمهم بسرقة مال الأمة، وأن الفقهاء وأهل الدين متى ما تكلموا بالسياسة أتوا بالعجائب، فلا ينبغي لهم الكلام بالسياسة.
ويقول: ((يوم فصلت الأمم النصرانية الدين عن الدنيا سارت أمورها على السداد)) ٤/ ١٠٧٥، ولذلك نجده في أحد مقالته يثني على علي عبد الرازق، بعد قبوله في مجمع اللغة العربية، ويعتب على من قدم له يوم دخوله ولم يذكره كتابه ((الإسلام وأصول الحكم))، والمعروف تكفير علماء الأزهر لكاتبه، وفصل من الأزهر، أيام العلامة محمد الخضر حسين رحمه الله، شيخ الأزهر.
فهذه بعض النظرات على عجالة من الأمر، إلا فالطوام عديدة، وكثيرة، والله المستعان وعليه التكلان. " انتهى.
[٢ - من مشاركة (حسين بن محمد جمعة) منتدى مركز ودود]
نعم للأستاذ: محمد كرد علي جهود مشكورة واهتمامات تفيد في البحث والجمع وغير ذلك من الإيجابيات.
فهذه يستفاد منها؛ كما أنها تستفاد من غيره
ومع ذلك نبين ونوضح أشياء أخرى قد جانب فيها الحق والصواب
فمن أحبه فـ لينظر فيما أحسن وأصاب، ولا يتابعه فيما أساء فيه وأخطأ.
ونحن نتفق على جعل القدوات لأجيالنا وأحفادنا من كان على الكتاب والسنة الصحيحة؛ وكل من وما يقربهم من فهم كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم على طريقة وفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم.
والأستاذ محمد كرد علي؛ كغيره من أولئك اللذين قد عاشوا فترات الفتن المظلمة الداعية للتغريب والعلمنة؛ بحجة السياسة المدنية الصرفة لليد المستعلية ولو كانت كافرة، تمهيدا لاحتلال بلد المسلمين، وتثبيتا للانحرافات العقدية والعلمية الشرعية والمدنية، ومسخ الهوية الإسلامية والقدوات الصالحة.
ففي تلك الفترة أعيد نشر وتعظيم تراث الاعتزال والمعتزلة ورموزها ورجالها؛ لهذا الغرض، كما أنه كانت النصرة كاملة لكل من يطعن أو يخالف الدولة العثمانية والخلافة العثمانية؛ اغترارا بمستقبل سياسي مدني أفضل، بغض النظر عن الشرع الإسلامي والحياة الإسلامية الصحيحة.
ولذا تجد هؤلاء ونحوهم يمدحون شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره؛ ولو كان المادح درزيا أو ماسونا، أو من المعتزلة الجدد ودعاة التغريب وغيرهم؛ ممن يجري مجراهم.
فالسياسة عندهم - عمليا - لا دخل لها في الدين، والدين عندهم لا دخل له في السياسة. والحياة المشتركة والاجتماع إنما هي بأن نجتمع على ما نتفق عليه (أيا كان)، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه. حتى جعلوا ذلك لهم عقيدة ومنهج حياة، وقاعدة ذهبية في السياسة والمدنية والاجتماع.
والواجب على المسلمين أن تكون قاعدة اجتماعهم تثبيت الدين والعدل وأداء الأمانات، ونفي الكفر والظلم والعدوان.
كما قال الله تعالى؛ وقوله الحق: " وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ".
وتفاصيل هذا تجده في كتب السياسة الشرعية.
وقد مهدت بهذا الاستطراد؛ لخفاء الأمر على كثير من الناس واغترارهم بأقوال لا حقيقة لها ولا اعتبار، وتاريخ ورجال؛ بلا تاريخ صحيح ولا أنصاف رجال.
وانظر في ذلك كتابا مهما؛ وهو كتاب: " الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، وآثارها في حياة الأمة "، رسالة ماجستير، بجامعة أم القرى، تأليف: علي بن بخيت الزهراني. وهي مطبوعة، في (١٠٩٤) صفحة - دار الرسالة - مكة المكرمة.