من المحال أن نأمن غوائل المستقبل ودواعي الزمان وتغلب الأشرار وتلاعب الفجار إذا لم نغرس في قلوب أبناء الأمة محبة الوطن الحقيقية ونعرفهم حقوقهم وواجباتهم للهيئة الاجتماعية ونرقي شعورهم وعواطفهم بحيث ينطبعون على عزة النفس وإباء الضيم وحرمة الفضيلة واحتقار الرذيلة، فيصبحون بذلك على أهبة الدفاع عن مصلحة الأمة والوطن دفاع البطل المستميت الذي يرى لثم شفار السيوف وشرب كأس الحثوف خيراً من الصبر على الذل والرضى بالعار واهتضام الحقوق ولا سبيل للوصول إلى هذه الغاية الشريفة إلا بالعلم والتربية، أريد بالعلم جماع العلوم الصحيحة التي بنيت قواعدها على البراهين القاطعة وأريد بالتربية تهذيب الناشئة على مقتضى الحكمة والعقل تهذيباً ينسف بروج الخرافات والأباطيل نسفاً ويقذفها في اليم قذفاً، وأول شيء ينبغي أن يجعل نصب أعين المصلحين تعليم الأمة حقوقها المقدسة وأخص بالذكر حقوقها الاجتماعية التي كانت مداسة بالأقدام منذ ألوف من الأعوام. .
شعار الإنسان الحرية، وهي التخلص من قيود الأسر المادي والأدبي، ولا يجوز أن يطلق إنسان على من عدم هذه الحرية وكان في إمكانه نيلها.
الأسر الأدبي أشد تأثيراً وأمر فعلاً من الأسر المادي، وهو أن يكون الإنسان تابعاً لآراء غيره مقلداً له في أفكاره وحركاته تقليداً أعمى لا يميز الصحيح من الفاسد ولا يعرف الخبيث من الطيب. . وما أبعد الحرية عن أناس إذا سمعوا منادياً ينادي في الأسواق تجمعوا حوله ونظروا إليه وإذا تبع ذلك المنادي واحد منهم تبعوه جميعاً وهم لا يدرون إلى أين يذهب بهم ذلك المنادي أإلى ذرى جنات النعيم أم إلى أسفل دركات الجحيم. . .
وفي قصة (أعطه جملة) عبرة وذكرى تبين لنا معنى الأسر الأدبي بياناً لا يدع مجالاً للشك والريب!
مالنا ولهذا أليس الجهل رقاً مؤبداً وأسراً مخلداً. . وأعظم مراتب الجهل جهل الإنسان حقوقه الاجتماعية ومن كان في غفلة عنها فهو حيوان مسخر يستخدمه الآخرون بأبخس الأثمان. . . في عنقه حبل الأسر مشدود الوثاق وفي رجله قيد الذل والهوان.
ثم إن من عرف حقوقه ولم يكن في جسمه دم حار يدفعه للذود عن حياضها عندما تمسها أيدي الظلمة الغشمة فهو دون مرتبة الحيوان!.