الإقبال عَلَى الآداب منظومها ومنشورها أول ما تنصرف إليه وجوه الأمم الآخذة بالنهوض ثم تنبعث الرغبة في الفنون والعلوم بحسب الحاجة والدواعي. وبعد أن اضمحلت الآداب في سورية فبلغت حداً غريباً من الابتذال في القرن الثاني عشر للهجرة وآنت أدبيات أهل الطبقة الراقية في ذاك العصر تافهة بشعة لا شأن لها ولا ذوق فيها عادت فأخذت تسير نحو الحياة في منتصف القرن الثالث عشر بما هب عليها من نسمات التجديد السارية من عقول المنورين المتأدبين من السوريين والمصريين والتونسيين.
فنشأ للغة كتاب وشعراءٌ من مصر والشام ومنهم أخذوا يعودون بمنظوماتهم ومنشوراتهم إلى سالف نضرة اللغة من الرصانة ويقلدون أدباء الإفرنج في تصوراتهم. وكان لمصر في هذا الشأن يد طولى أسداها إلى الآداب العربية جد البيت الخديوي الأول فعمت المعارف في مصر ومنها انتشرت إلى سائر الأقطار. وإن كان بعض من يريدون أن يحصروا الفضل كله في سورية ولاسيما في المدارس الأجنبية يتكررون هذه الحقيقة التاريخية المدركة.
لا جدال في أن المدارس الأجنبية قد أحسنت عَلَى عهد نشأتها في بلاد الشام واهتمت بخدمة الآداب العربية اهتمامها بخدمة آداب لغتها الأصلية وإن بذلك كثرت صلاتنا التجارية والعلمية مع أوربا وأميركا وصار الإفرنج يطوفون أو يسكنون ديارنا وأمسينا لا نفزع من نزول ديارهم أو الرحلة إليها.
وعَلَى هذه الصورة أخذنا ندرك اليوم بعد اليوم نقصنا بالقياس إلى الغربيين فيسعى المنورون منا إلى بث أنوار المعارف والفضيلة ويشعرون بالمصلحة العامة ويتوفرون عَلَى إصلاح الأفكار السقيمة.
النهضة الفكرية في سورية متلونة كأبي براقش بتلون الأوعية التي تخرج منها فنهضة المسلمين مثلاً آتية من مدارس الحكومة عَلَى الأغلب عَلَى يد أُناس من العرب تعلموا التركية في المدارس الملكية والعسكرية في الولايات السورية أو في الآستانة وهؤلاء في الأكثر تعلموا ما تعلموا ليصبحوا موظفين وغايتهم أن يتدرجوا في سلك المراتب والمناصب ليعيشوا عيش الراحة والاتكال. ولولا نفر منهم تداركوا أمرهم بعد نيل الشهادات المؤُذنة بكفاءاتهم من المدارس الأميرية فأخذوا يحاولون أن يكتبوا بلغتهم