ويتذوقوا أدبياتها ليلموا عَلَى أمتهم بعض ما غلب عليهم من المعارف الجديدة لقلنا أن تلك المدارس لم تأتنا بخير إلا بكونها صاغت من سورية موظفين آخرين فزادت الدولة بهم عبثاً فوق عبثها الثقيل من الأتراك الذين جعلوا وظائف الحكومة أقصى ما يبلغونه من درجات الكمال وسعادة الحال والمآل.
ثم أن طبقة الموظفين في جميع الأمم التي تسير عَلَى نظام الأوربيين لا يأتي في الغالب منها كبير أمر لأن الاستخدام مبني عَلَى الطاعة وارتقاء الموظفين مناط باعتزالهم وأحسن أعمالهم الخضوع لإرادة الرؤساء مهما كانت وهناك الارتقاء مضمون ولذلك قلما أثر موظف في نهضة الأمة الفكرية خلا أفراداً في مصر عرفوا منذ زهاء سبعين سنة إلى اليوم كيف يستخدمون أوقاتهم وحريتهم ليجعلوا لكل من حكومتهم وأنفسهم وأمتهم حظاً وتكون أعمالهم سلسلة نافعة من كل وجه.
أما في سورية فإننا نجد من تذوقوا شيئاً من الأدب وحبسوا أنفسهم عَلَى التوظيف لم يأتوا بما نفع في النهوض اللهم إلا إذا كانوا يروون تلك الدواوين الشعرية والأماديح النثرية التي يرسلونها في تمجيد الحاكمين عَلَى اختلاف درجاتهم تعد من الآداب في شيءٍ ولا يحضرنا الآن اسم بضعة من الموظفين يصح أن نوردهم مثالاً صحيحاً نحتج به عَلَى من يوقن كل الإيقان أن الموظفين مهما بلغوا من التربية والتعليم فلا يرجى أن ينتفع بهم إلا في الفروع التي تمحضوا لها من خدمة الحكومة.
وإذا كانت الشام واقفة عند حد الاعتماد عَلَى مدارس الحكومة والحكومة لا تعلم إلا ما ينفعها ومدارس الأجانب لا تعنى إلا بالعرض بما نفع البلاد بقيت النهضة الفكرية مذبذبة لا تركية ولا عربية ولا إفرنسية ولا أميركانية ولا إنكليزية ولا ألمانية ولا روسية ولا يونانية ولا إيطالية. كما أنها ليست إسلامية سنية ولا شيعية ولا باباوية كاثوليكية ولا مارونية ولا أرثوذوكسية ولا برتستانتية ولا إسرائيلية ولا درزية وبهذا صح أن نقول أن سورية بابل اللغات واللهجات كما هي بابل الأديان والمذاهب وإن النهضة في أصقاعها كأجوائها في التلون وأغوارها في الحرارة ونجادها في البرودة.
لم تنشأ في البلاد مدارس أهلية إلا في دمشق وبيروت وحمص وطرابلس وصيدا مثلاً منذ عهد قريب وهي لم تطل أعمارها بعد حتى يتخرج منها تلاميذ يكون واحدهم بألف في