أصيبت الأمة بعد سقوط دولة بني العباس بفتور غريب في العلم والآراء لما عايشته من أهاويل الحروب والفتن. ولما قامت الدولة العثمانية فجمعت تحت لوائها الأقطار المختلفة نظرت إلى الأقطار العربية من الوجهة السياسية ولم تعن بها ولا بغيرها من الوجهة العلمية الاجتماعية شأنها في عامة أدوارها وأقطارها ولم يشذ عن ذلك إلا مصر فكانت أشبه بمملكة مستقلة حتى بعد استيلاء العثمانيين عليها. وبعيد أن قامت الدولة تؤسس لها مدارس في العاصمة والولايات لتعلم العلوم الحديثة وتستبدل النور بالظلمة والعلم بالجهل قام محمد علي والي مصر فنزع القطر المصري من المماليك في الظاهر ومن الدولة في الباطن وأنشأ فيه مدارس عربية وتوفر بدلالة جماعة من مستشرقي الفرنسيس النبهاء على ترجمة الكتب العلمية من اللغات الأوربية فانتعشت اللغة العربية في مصر فقط وظلت كهف العرب عنها يأخذون علومهم وموطن الطباعة والكتب والصحف وبأنوارها يستضيئون وذلك لغناها العظيم وتاريخها المجيد القديم.
بقي الأمل في نهوض العربية محصوراً في مصر لأن الشام والعراق والجزيرة والحجاز واليمن ونجد وطرابلس وتونس والجزائر ومراكش أمست في فتور. وقد أنشئت في تونس وسورية بعض المدارس والمطابع تدرس بالعربية وتطبع اللازم من الكتب العربية لكنها لم يمضِ على تأسيسها بضع سنين حتى أطفئت شعلتها بما أصاب سورية من بلاء المراقبة وما أصاب تونس من الاحتلال الفرنسوي. والمراقبة واحتلال الغريب مما يقتل روح العلم وينزع حياة النهضة القومية. وقد أوشكت مصر أن تصاب بضعف لغتها لما احتلها الإنكليز لولا أن قامت الأمة وطلبت جعل العربية لغة المدارس الابتدائية والثانوية فلم تر الحكومة بدّاً من إجابة طلبها.
أما هذه الديار فكان أول ما انصرفت إليه الوجوه بعد إعادة القانون الأساسي العثماني مسائل التعليم فالتركية لسان الدولة الرسمي تريد أن تعلمه جميع العناصر العثمانية ليجيء منهم في المستقبل مزيج واحد وتقوي وحدتهم السياسية. وقد نشرت نظارة المعارف برنامجها ولم نشهد فيه ذكراً للعربية في المدارس الابتدائية والثانوية والعالية بل قالت أن تعليم العلوم التركية للذكور والإناث وللصغار والكبار وللعرب والترك والروم والأرمن والبلغار والأرناؤد حتى أن المبادئ البسيطة التي سمحت تعلمها من العربية تدرس في كتب