قل في كتب الأدب والتاريخ ما ينتفع به مطالعه في أمور كثيرة بقلة الجيد منها وذلك لأن المصنفات كالبضائع فيها الجيد وفيها الرديء والمصنفين اصناف فقسم يؤلف وقد تمت ادواته وتشبع بما يود الحوض فيه فلا يكتب الا الثمين النافع وقسم بين ذلك وقسم يخلط ويخبط لاهوى له إلا في ذكر اسمه وحشر نفسه في عداد المصنفين. وصاحب كتاب الأحاطة في أخبار غرناطة هو من أهل الصنف الأول ما كتب كتأبا الا عن فكر وروية وناهيك بما يصدر من نفثات ابن الخطيب حسنة الأندلس ونابغة عصره بل كثير من العصور قبله وبعده. وفقت شركة طبع الكتب العربية بمصر إلى نشر الجزئين الأولين من هذا الكتاب واوفقت طبع الثالث لكثرة التجريف الذي وجدته فيه بحيث يتعذر على القارئ كشف وجه الحقيقةمنه.
ولئن وقع في هذين الجزئين اغلاط وتحريفات التبس بها الحق بالباطل وكأنت العناية تقضي استثبات صحتها وإرجاعها إلى نصابها لو امكن فإن هذا التهاون يغتفر في جانب تلك الذخيرة التي نبشوها ونشروها وهي ولا جرم من بعض ما يعمر به بناء الشعر والنثر ولسأن الدين حجة فيهما قاطعة.
وأن لنا ريبة في كون هاته المجلدات الثلاث هي كل ماكتبه المؤلف في رجال عاصمته وعبارة صاحب نفح الطيب تساعد على هذا الشك. قال: ان كتاب الأحاطة هن الطائر الصيت بالمشرق والمغرب والمشارقة أشد إعجاباً به من المغاربة او أكثر بهجاً بذكره مع قلته في هذه البلاد المشرقية وقد اعتنى باختصاره الأديب الشهير البدر البشتكي وسماه مركز الأحاطة في أدباء غرناطة وهو في مجلدين سنة ٧٩٣ وقد جعل كل أربعة أجزاء من الأصل في مجلد اذ هو في مجلدين ونسخة الأصل في ثمان مجلدات. وقف سلطأن الأندلس نسخة منه على بعض مدارس غرناطة وكانت في اثني عشر سفراً متقنة الخط والعمل وكان لسأن الدين ارسل في حياته نسخة من الأحاطة إلى مصر وقفها على أهل العلم وجعل مقرها بخانقاه سعيد السعداء قال المقري وقد رأيت المجلد الرابع منها وكان في ثمانية أجزاء ورأيت بظهر أول ورقة من هذه النسخة خطوط جماعة من العلماء وعلمت أن