من أهم المسائل الاجتماعية في العالم مسألة التعليم فهو الذي تحرص عليه الأمم حرصها على حياتها. والتعليم الوطني هو أرقى أنواع التعليم به تحفظ الجنسيات واللغات ويبقي على العادات والقوميات ولذلك تجد العراك في هذا الشأن على اشد ما يكون بين الأمم الغالبة والأمم المغلوبة فالبولونيون لا يشمئزون من الألمان والنمسويين والروسيين إلا لأن كلاً من ألمانيا والنمسا وروسيا تحاول أن تصبغ البولونيين بصبغتها. والجزائريون لا يتأففون من فرنسا إلا لأنها تنوي القضاء على جنسيتهم ولغتهم ودينهم بتلقينهم المبادئ الإفرنسية واللغة الفرنسية. والكوريون لا يغضبون على اليابانيين إلا لأن هؤلاء يحبون أن يصبغوا أهل كوريا بصبغتهم ويطبعونهم على مناحيهم. وأهل الإلزاس واللورين لا يبكون من الألمان إلا لأنهم يرمون إلى تربيتهم على الأسلوب الألماني وتلقينهم اللسان الألماني لينسوا مع الزمن لسانهم وقوميتهم كما نسي أهل شلزويك هولستاين الدانيمركيون لغتهم بانضمامهم إلى بروسيا. والجاويون لا يتأوهون من هولاندة إلا لسعيها في تنشئتهم على مناحيها. والهنديون أعظم ما يسقمونه على الإنكليز تلقين الناس حب إنكلترا وعظمتها ولغتها وإن كان الإنكليز أكثر الأمم مراعاة لعواطف المغلوبين على أمرهم.
وهكذا لو استقرينا تاريخ الإنسان إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم نجده عبارة عن سلسلة ظلامات منشؤها سوء التفاهم بين الناس يريد القوي أن يسخر الضعيف ويطبعه على منازعه لاعتقاده بأنه أعلى منه كعباً وأكثر علماً وأدباً وأرجح عقلاً وأنجح سعياً شأن العالم مع الجاهل لا يود أن تمر به ساعة إلا يعلمه به شيئاً ليقربه منه ويحسن الانتفاع به ولكن ما كل قوي يكون أعلم من ضعيف ولا غالب أعقل من مغلوب وندر بين الناس والأمم من يقرر بأرجحية غيره عليه ولو كان الحق في ذلك أوضح من فلق الصبح.
نقول هذا ونحن نرى التعليم الوطني في مصر والشام وهما من أعرق البلاد في الحضارة والتعلم على أضعف ما يكون وإن كانت مصر سيدة البقاع في هذا لأن انتباه الناس منذ سنين لجعل طبقات التعليم بالعربية بعد أن كاد يصبح كله بالإنكليزية لا بد أن يحفظ على المصريين لغتهم وأخلاقهم وتقاليدهم أكثر مما يحفظها على السوريين مثلاً. فقد عبثت في السوريين دواعي التفريق في الوطنية وضعفت ملكتهم فيهم بقوة المدارس الغير وطنية في ديارهم. فإذا كانت هذه المدارس قد نفعت سورية بما أدخلته إليها من النور القليل فقد