حدث رواة الأخبار أن حميدة بنت النعمان بن بشير الأنصاري تزوجت الحرث بن خالد بن العاصي بن هشام وكان شيخاً هرماً فلم تطب لها الإقامة معه وكانت تسكن دمشق فقالت في ذلك:
فقدت الشيوخ وأشياعهم ... وذلك من بعض أقواليه)
قولها (فقدت) إنشاء وليس بخبر: فهي تدعوعلى الشيوخ المسننين بأن تفقدهم عن آخرهم وتفقد كل من يتشيع بهم.
ولعل مرادها بالمتشيعين لهم سماسرة السوء الذين يسعون لدى الأسر في تزويج فتياتهم من أولئك الشيوخ الطاعنين في السن فيقعن من عشرتهم في جحيم ومن العيش معهم في بلاء مقيم، ثم قالت حميدة أن دعاءها على الشيوخ هو من بعض أقوالها فيهم أي هو أقل ما يجب أن تقوله في حقهم وفي إظهار النفرة منهم والزراية عليهم.
ترى زوجة الشيخ مغمومة ... وتمسي لصحبته قاليه)
(قالية) مبغضة كارهة. والشيخ هنا لم ترد به حميدة الواحد من شيوخ العلم الديني ولوكان شاباً حسبما اصطلح عليه المتأخرون وإنما أرادت به المعنى اللغوي وهو الرجل الذي شاخ وطعن في السن وبلغ من الكبر عتياً عالماً كان أوجاهلاً. وللشيخ سبعة جموع استوفاها بعضهم في هذين البيتين فقال:
ومع شيخة جمع لشيخ وصفرا ... بضم وكسر في شييخ لتفهما)
قوله (شيخة) على وزن عنبة ولكنه سكن الياء لضرورة الشعر وقوله (بضم وكسر) يريد أنك إذا صغرت كلمة (شيخ) فقلت (شييخ) جاز لك إذ ذاك أن تضم الشين وهو الأصل في الاسم المصغر وأن تكسرها مراعاة لليائين التي بعدها ليسهل النطق باللفظ ويخف على السمع.
نكحت الهشامي إذ جاءني ... فيالك من نكحة غاوية)
تلوم نفسها على تسرعها بزواج ذلك الرجل فهي لم تتريث إن رضيت به مذ جاءها خاطباً ثم أظهرت الدهشة والعجب من هذا الزواج الذي كلفها ثمناً غالياً: عمراً خسرته وشباباً أبلته وجمالاً ابتذلته ومستقبلاً أضاعته: