قامت منذ بضع سنين حركة في الأفكار في معظم بلاد أوروبا للمفاضلة بين التربية التوتونية واللاتينية أي بين تربية الإنكليزي والألمان والأمريكان المعروفين بالإنكليز السكسونيين وبين تربية الفرنسيين والطليان والإسبان ولقد أطلعنا على مقالة في إحدى المجلات الكبرى الفرنسوية أفاض كاتبها في تأثير المسابقات بين طلبة الطب في الأخلاق. ومما جاء فيها أن هذه المباراة في الفحوص قد تؤدي إلى ضعف ملكة الذكاء وإن نفعت في تمرين الذاكرة بما يضطرون أن يودعوه ألواح محفوظهم من القوانين والصور وقد يستظهرونها استظهاراً نظرياً ولا تكون عندهم من العمليات في شيء بمعنى أنهم مهما جعلوا دراستها دينهم وديدنهم لا يخرجون من الامتحان إلا وقد غربت تلك المواد عن أذهانهم. سئل أحد التلاميذ يوماً عن حرب السبعين وكان قد درسها من قبل بالطبع فلم يحر فيها جواباً. وسئل عن التلفون فانقطع ولم ينبس ببنت شفة. مع أنه بعيد عن الظن أن يكون في الغرب اليوم ناهيك بفرنسا من لم يسمع بحرب السبعين وأخبارها والتلفون وآثاره.
وبعد هذا لا يسعنا إلا التصريح بان الطريقة العقيمة في التربية التي اتخذتها فرنسا من نحو مئة سنة ما زادتها إلا الرجوع القهقري وسبق الأمم السكسونية. تربية تسقم العقل وتضعف الجسم. تربية تحبب إلى المرء الراحة والسكينة والاقتصاد والترف والسرف.
تربية كأنها ملصقة بغراء لا تلبث أن تتزعزع إذا أمطرتها سماء الدنيا بوبلة فما بالك لو هبت عليها أعاصيرها وعواصفها وسحت فوقها وابلها ومدرارها.
قال بعض علمائنا إن فرنسا مستنبت الأوسمة والمراتب وميدان المسابقات والمناوشات وإذا أردنا على أن لا ننقد هذا الخُلُق نكتفي بأن نقول إنه دليل الأنانية والشعور بالحاجة إلى العدل ونحن لا نزال شعب تلاميذ أي إننا محتاجون في تربيتنا أن نربى تربية الصغار من مهدنا إلى لحدنا فنساق منذ نعومة أظفارنا في المدرسة والبيت بقوة الأيقونات والأنواط والعلامات والصفوف والقوانين ومن نشأ على هذه الطريقة في التربية يحتاج إذا بلغ مبلغ الرجال أن يظل متطلباً للأوسمة والجوائز وأن تنظم حاله بنظام الاستحقاق والأهلية.
وقال غستاف لبون مؤلف كتاب حضارة العرب وغيره من الكتب الممتعة: إن كليتنا معاشر