قال أحدهم إن مبدأ حماية التجارة الحديث أي حصر المباراة الأجنبية وتنشيط التجارة الداخلية وجعلها حرة ما أمكن كان صفة من الصفات اللازمة لسياسة الرجال الذين قاموا في عصر مونرو بتأسيس الممالك. وهذه الحماية الحديثة هي في الأكثر من عمل الأميركيين فأراد زعماء الأمة عملاً بمبدأ مونرو أن يدفعوا عن أميركا فساد المفسدين كما هو الحال في حماية ولد قاصر تنثني قدماه لأقل صلابة تلقيانها في الأرض ويطبق أجفانه بما يخطف بصره من نور الشمس المشرقة. وإذ رأى مونرو بلاده قاصرة وذات منعة وقوة طمح إلى ضمان هذه القوة فيها ليكون لسان حال كل أميركي بعد يخاطب به الأوربي: إني ذاهب إلى بلادك لأنك في حاجة إليّ ولكن لا تجيء إليَّ إذ ليست حاجتي ماسة إليك.
وجاء بعد مونرو من دعم مبدأه في حماية التجارة ومن قال بحريتها المطلقة مثل الاقتصادي هنري كاري. بيد أنهم عادوا جملة إلى رأي مونرو ووجدوا فيه سلامة تلك الأمة وقالوا أن الحماية معقولة وهي القاعدة العامة التي تقوم عليها الممالك المتمدنة ثم جرت حرب من أجل حماية التجارة بين سكان الشمال والجنوب كان داعيها وضع الضرائب على القطن والتبغ وهما من المواد الأساسية في الصادرات. والتقى الحزبان بالسلاح فغلب أهل الشمال أهل الجنوب فقوي عندئذ مبدأ حماية التجارة وصارت من العناصر الحيوية للأمة إذا كانت سنة ١٨٩٠ صدر منشور ماكنلي في هذا المعنى والدعوة إلى الاحتفاظ به ولم يعف في منشوره من الضرائب الباهظة إلا واردات بعض المواد الأولية والغلات مثل السكر وأرهق بالضرائب الصوف الخشن وأنواع الحرير والحديد والفولاذ وغزل القطن والقطنية والمنسوجات المختلفة والخمور والكحول والأعمال الصناعية. فتضررت من ذلك كل من ألمانيا وإنكلترا وفرنسا. ثم جعلت الحماية سنة ١٨٩٧ من ٥٥ إلى ٦٠ في المائة من ثمر الحاصلات وعقدوا بعض معاهدات تجارية مع بعض الدول ظل فيها حق حماية تجارة الأمريكان سالماً لم يمس بسوء واحتفظ الأميركي بالدفاع عن حماه من انهيال الواردات الأجنبية عليه كما خاف على سلامة بلاده من غارة الجماعات المهاجرة إلى بلاده.
ومذ ثبتت قدم الحرية في أميركا سنة ١٨٢٠ قذفت أوربا إلى العالم الجديد بسيل من البشر من طليان وألمان وسلافيين وبولونيين وبوهيميين وإنكليز واسكندنافيين وفرنسيين وصينيين. فهاجر إلى بلاد الدولار منذ سنة ١٨٢٠ إلى سنة ١٨٧٠ زهاء سبعة ملايين