ليس لدينا ما يركن إليه من الإحصاءات في نسبة عدد الأميين في بلاد الغرب إلى المتعلمين من أبنائهم إذ أن إحصاء اليوم قد لا ينطبق عليه إحصاء غدٍ. والذي علم بالتحقيق أن الممالك الأوربية الصغرى كالدانمرك والبلجيك وهولندا واسوج ونروج وسويسرا هي أكثر أهل أوربا انغماساً في التعليم وأقل أهلها أميين حتى أن عدد هؤلاء بالنسبة إلى المتعلمين يكاد لا يذكر ويكفي أنه لا يوجد في سويسرا غير شخص واحد أمي في كل ألفين من السكان ذكورهم وإناثهم.
ولئن كان التعليم إجبارياً في بعض الممالك الكبرى بأوربا وأميركا فلا يزال عدد الأميين يذكر فيها وفرنسا هي في مقدمة الدول العظمى بقلة أمييها وكثرة متعلميها ومنوريها. وجميع الدول شاعرة بوجوب التعليم تتفنن كل يوم في بثه على أساليب لم يكن يحلم بها اليونان والرومان ولا العرب ولا غيرهم من الأمم العظيمة التي كان لها شأن في بعض أزمان التاريخ. وقد ارتقت المدارك في الغرب حتى أصبح ما كان يدعو إليه خاصته في أوائل القرن الماضي قضية مسلمة عند الخاصة والعامة في أوائل هذا القرن وصار عليه الفتوى والعمل. كل ذلك بفضل أهل العلم منهم وعلى حسب سنة الترقي قال: بنتام ذهب بعض قادة الأمم إلى أن انتشار المعارف مضر وظنوا بأن قيمة الناس تعلو بمقدار نقصهم في المعارف وأنه كلما نقصت معارفهم غابت عنهم معرفة الأشياء التي تبعثهم على الضرر أو علمهم بوسائل فعله. وهو غلط فإن انتشار المعارف ما كان ولن يكون سبباً في ازدياد الجرائم ولا مسهلاً لارتكابها ولكنه نوع الطرق في اقترافها فاستعملت وسائل أقل ضرراً من التي كانت قبلها. لنفرض أن الأشرار يستفيدون من كل أمر وأنه بقدر معارفهم يسهل عليهم الضرر فهل نتيجة ذلك بقاء الناس جميعاً في ظلمات الجهل ولو كان خيار الناس وشرارهم منقسمين إلى نوعين ممتازين كالأمة البيضاء والأمة السوداء لقصرنا المعارف على الأولى وأبقينا الثانية في الجهل لكن تعذر ذلك وملازمة الخير للشر في الشخص الواحد تدعونا إلى القول بجعل الكل تحت نظام واحد فإما جهل مطبق للجميع وإما علم للجميع ولا وسط بينهما.
على أن الدواء في الضرر نفسه لأن المعارف لا تساعد الأشرار على شرورهم إلا إذا اختصوا بها لكن إذا عمت سهل على غيرهم أن يعرفوا حبائلهم فيسقط تأثيرها. ألا ترى أن