قالت مجلة مستندات الترقي ما مثله: كانت أول حملة أرسلت لاكتشاف القطب الشمالي سنة ١٥٥٣ فقام شانسلور ودورفورث وويلوغبي من الإنكليز يحاولون الاهتداء من طريق الشمال إلى طريق بحري للوصول إلى آسيا الشرقية ودعي هذا الطريق بطريق الشمالي الشرقي. وما برح حب اكتشاف القطب آخذا بمجامع العقول حتى ساق كثيرين إلى تقحم تلك الصحاري الجامدة في الشمال لكشف ما وراءها من أسرار. ولئن فترت الهمم في سبيل اكتشاف القطب من سنة ١٦٥٠إلى ١٧٥٠ بالنسبة لبقية الأدوار إلا أن الرغبة في اكتشافه لم تنقطع منذ ذاك العهد ومهما أعتقد الناس بأن ما ورد في أسطورة قديمة من أن في بحار الشمال جبلاً من المغناطيس كان يدعو السفن والملاحين إلى اكتشافه فتهلك فيه ـ وهي أسطورة من الأساطير الخيالية العارية من كل حقيقة ـفان القطب الجغرافي من الأرض وإن لم يره أحد حتى الآن قد أثر في العقول تأثير ذاك الجبل من المغناطيس وكان من قوة الجاذبية إن كانت السبب في هلاك أرواح كثيرة من البشر.
وظل ذاك اللغز القديم بدون حل بعد جهاد لا يوصف مدة من ثلاثة قرون ونصف ووقعت مصائب هائلة في القطب والقطب نفسه لم يكتشف على أن هذه المسألة قد فقدت في العهد الأخير شيئاً كثيراً من شأنها العملي ومع هذا فلم يفلت الباحثين علم ما يصادفونه في القطب ونزعوا من الأفكار ما كان علق فيها مدة قرون من أن وراء تلك الأسوار الكالحة من الجليد مناخاً معتدلاً وعدوه من باطل التقدير وقالوا ليس فيها إلا الجليد والثلوج وبحر عميق فيه بعض جزر تختلف كبراً وصغراً ولا تزال مجهولة وهذا ما يرونه في جوار القطب كما رأوا مثله حتى الآن في الأصقاع القطبية.
ولا يرجى من اكتشاف القطب الشمالي حل متكل ينفع العلم وما يتنافس فيه الذاهبون في هذا السبيل لبلوغ القطب ليس سوى عبارة عن ضرب من ضروب الأرتياض اللهم إلا ما كان من حيث الفائدة الجغرافية الصرفة. بيد أن الإنسانية لا يقر لها قرار إن لم يكتب لأحد شجعان الزمان أن يدوس ذلك الطرف الآخر من محور الأرض والظاهر أن هذا اليوم وإن طال العهد على قدومه غير بعيد الآن فإن ما تم من تقدم اكتشافات القطب في الخمس عشرة سنة الأخيرة قد بلغ حداً لم يكن يظن بلوغه حتى قري الأمل بأن ستكافئ تلك الهمم الماضية على جهادها قريباً والزمن حلال كل معضل. يعلم ذلك بأدنى نظر يلقي ببصره