قلت الكتب التي تنشر هذه الأيام باللغة العربية ويراد منها بث علم نافع أو تصحيح فكر سقيم وذلك لقلة المؤلفين والمترجمين ولقلة القارئين والعارفين، وكتاب روح الاجتماع الذي عربه عن الافرنسية أحمد فتحي زغلول باشا هو من الأسفار التي يقصد بها مؤلفها نفع أمته وتصحيح بعض أغلاطها والمؤلف هو الدكتور كوغستاف لوبون العلامة صاحب التآليف الممتعة ومنها كتاب مدنية العرب فقصد المعرب أن ينقل كتابه لأمته لينتفعوا منه انتفاع الفرنسيين أو بعضه، والمعرب النابغة قديم في صناعة التعريب صحت عزيمته حتى الآن على نشر بعض الكتب المفيدة ومنها أصول الشرائع نبتنام وسر التقدم الانكليز السكسونيين لديمولانس والإسلام لهنري دي كاستري وهي من الكتب النافعة التي أحدثت تأثيراً في وقتها واستفاد منها المستنيرون من قراء العربية ولا سيما من لم يسعدهم الحظ بتعلم لغة أجنبية لتناول مثل هذه الأفكار من مصدرها الأصلي.
ولو تصدق كل من حذق لغة أوروبية وأحكم اللسان العربي فنقل لأمته كتاباً أو كتابين لكان عندنا اليوم من المترجمات العصرية في العلوم والاجتماع لا في القصص والأساطير ما يملأ خزانة كبرى تصبح معها لغتنا كإحدى اللغات الغربية بغناها بأفكارها وكتبها الجديدة، وليست طلاوة الجديد كطلاوة القديم وما قط كان العلم الخيالي كالعلم العملي، لو تصدق كل واحد من أرباب الأقلام ودارسي اللغات والفنون كما يتصدق المرة بعد المرة أمثال حضرات أحمد فتحي زغلول، محمد فريد، عبد العزيز جاويش، عبد العزيز محمد، أحمد زكي، صالح حمدي حماد وأمثالهم من المعاصرين لأغنونا بعلوم الغرب وقلبوا في مدة كيان الأفكار من طريق العلم.
كتاب روح الاجتماع هو في بيان أحوال الجماعات وما يعرض للفرد مجتمعاً من تغير المشاعر واختلاف النظر وتبدل حكمه فيما يحيط به حلل فيه المؤلف روح المجتمعات الحديثة ولا سيما في فرنسا تحليلاً نفسياً فلسفياً غير ناظر إلى أكثر ما يتعلق به بعض ضعاف المؤرخين من الحوادث بل نظر إلى الدواعي النفسية والمعتقدات والعادات نظر المستبصر الناقد علماً منه بأن الحوادث الظاهرة مثل الأمواج المتلاطمة التي تترجم فوق سطح البحر عما هو واقع في جوفه من الاضطرابات التي خفيت عنا ونحن إذا نظرنا إلى الجماعات نراها تأتي من الأعمال بما يدل على انحطاط مداركها انحطاطاً كلياً غير أن لها