للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بضعة أيام في الجليل]

لا تعرف البلاد كما هي إلا برؤية القرى والدساكر قبل القواعد والحواضر فالفلاح ميزان العمران إن سعد سعدت البلاد كلها وإن شقي شقيت خصوصاً في مثل هذا القطر الذي يعول عَلَى الزراعة في حياته وتجارته وصناعاته ضعيفة ضئيلة.

قصدنا إلى عكا هذه الآونة فشهدنا فيها ما لم نتمكن في العام الفائت من مشاهدته رأينا حيفا بلدة يهودية إلا قليلاً وسالنا أحدهم عن عدد طلبة العلوم الدينية فيها يقيمون الشعائر وينظرون في أحكام الحلال والحرام فلم نر أحداً حتى إذا جئنا عكا كان أول أسئلتنا عن عدد طلبة العلوم الدينية فأخبرونا أن عددهم اليوم يتناقص وهم يبلغون نحو الثلاثين فقلنا فأل خير إذا أتقنوا كلهم ما لقنوه يسدون بعض الحاجة في ارض الجليل الذي ضعف فيه المسلمون في كل شيء ولاسيما في دينهم. والمسلم مهما تقلبت به الأجوال يحتاج إلى إمام وخطيب ومفتٍ ونائب وواعظ. ولئن لم يساعدنا الوقت عَلَى الاختلاط ببعض هؤلاء الطلبة ولكن شهدنا من فضل أستاذهم الشيخ عبد الله الجزار وتقواه ما رجح عندنا أن الفرع يتبع أصله والناس تبع لأئمتهم ومرشديهم.

ليس الأستاذ الجزار اليوم كالجزار (أحمد باشا) أمس كان هذا يرهق الأشباح في هذه البلاد أيام استيلائه عليها وذاك يحيي الأرواح بالعلوم الدينية واللسانية. الثاني بوشناقي والأول عربي. ذاك تولى زمام الأحكام فأفسدها في القرن الماضي وهذا عَلَى قلة النصير يعلم في بلد قل فيه من يحب أن يتعلم. هذا أقام مدرسته عَلَى أنقاض المدرسة التي بناها ذاك فأعاد لبلده شيئاً من رونقها وجمع لطلبته مكتبة حافلة بالأسفار العلمية الدينية المختلفة يثقف بها عقول الطالبين المسترشدين. ولو سعى كل فقيه من فقهاء الإسلام أن بتعليم قومه عَلَى نحو ما فعل الشيخ الجزار لما اضمحلت العلوم الإسلامية فوصلت إلى الحالة السيئة التي نراها عليها الآن وأكثرهم يفتون ويؤمون ويخطبون ويعظون ويعلمون بلا علم ولا تقى.

بتنا ليلتنا في قرية ظاهر في عكا اسمها المكر ولعلها المقر. ومن الغد ركبنا ومعنا دليل يدلنا عَلَى طريق صفد فأعددنا السير حتى وصلنا قرية الرامة وهي في منتصف الطريق عَلَى نحو خمس ساعات من عكا وخمس من صفد بعد أن مررنا بقرية مجد الكروم وارض دير الأسد وبعن ونحف ويجور. وزراعة هذه البلاد الحنطة والشعير والكرسنة والحلبة والبطيخ وأشجارها التين والزيتون والليمون الحلو وهو في قرية الرامة فقط كما أن