للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[نوع من نقد الشعر]

(قل في رجال الأدب قديماً وحديثاً من تكتب لهم الإجادة في النظم والنثر وقد عرف مصطفى صادق أفندي الرافعي بين قراء العربية بأنه من أفراد الشعراء البلغاء ولو أنصفوه لوصفوه بالكتابة كما وصفوه بالشعر. والنبذة التالية مقتبسة من مقدمة الجزء الثالث من ديوانه وهو تحت الطبع وفيها نموذج من نثره).

الشعر تصوير عالمٍ من المعاني والألفاظ فالمجيد من جعله مختصراً من صورة العالم كله. ولابدَّ فيه من شعاع من الروح إذا تجردت له النفس امتزجت لطافتها بلطافته. وربما أخذ المرء بلذة التصوير فظنها في مكان نفسه وحسب نفسه في مكانه.

ونحن ناظرون إلى نقد الشعر من هذه الجهة التي يتمثل فيها حياً من الأحياء. تتنازع أنواعه البقاء. فقد أفاض المتقدمون في الأسباب التي يحسن بها ما يحسن من ظاهره وبقبح منه ما يقبح. وجردوا الكتب في طبقات الألفاظ ومخارج الأشعار وسقطات الكلام وألطفوا النظر في وجوه المعاني ومواضعها. وأصابوا منها صفة التمكن في مبادئها ومقاطعها. وإنك لتجد فيما وضعوه من علوم البلاغة البحر الزاخر بهذه الأمواج. والفلك الدائر بتلك الأبراج.

يرتقي المبتدئ في الشعر من مطلق النظم الذي هو النمط المصطلح عليه في إقامة الوزن إلى الفكر فيما يجيء به. فإذا صارت له هذه المنزلة أدته إلى الخيال. فإذا ارتفع شيئاً بعد ذلك فهو في جو الروح الذي يسمونه التصور وهناك حدُّ الطبيعة القائم. وحجاب الغيب القاتم. فيكون في منزلة بين الوحي والإلهام ويمر هناك خاطره على النفوس كما ينتقل على الأرض ظل الغمام.

وتلك هي أطوار الشعر من طفولته التي يعبث فيها بكل شيءٍ ولا يفقه شيئاً. إلى شبيبته التي يتماسك فيها وقاراً ويندفع إلى شدته التي تعتصم بها الحكمة وتمتنع. إلى مشيبه الذي هو نور الجمال. والحظ المقسوم له من الكمال.

والشاعر في الطور الأول كالصبي في يده القوس يغرق في نزعها ما يغرق ثم لا يكون إلا أن يسمع لها أرناناً ضعيفاً فلا هو غلب وهمه. ولا رمى سهمه. فإذا اشتد ساعده وانتقل إلى الطور الثاني كان في منزلة بين الخطأ والصواب. فإذا بلغ إلى الثالث أحكم التسديد. واستوى عنده في الإصابة ما كان من قريب وما كان من بعيد. ومتى صار إلى الطور