قالت العرب احرص على الموت توهب لك الحياة وقال المتأخرون من أراد السلم فليكن أبداً على استعداد للحرب وهاتان القاعدتان جرت عليهما سويسرا فمن يظن أن هذه الأمة التي تعيش بمعزل عن الدول وليست لها سياسة خارجية واستقلالها مضمون باتفاق الدول العظمى تتمرن ليلها ونهارها على الأعمال الحربية وكلها مسلحة وكلها محاربة عند الاقتضاء وتستطيع عند أول صرخة أن تجهز ١٨٠ ألفاً من الجند الذين يحسنون الرماية كأحسن أهلها ويعلمون عما يدافعون ويأتون إلى أي مكان من حدودهم في سرعة البخار ثم يستطيعون أن يجهزوا ١٤٠ ألفاً من الدرجة الثانية ومثل هذا العدد في الدرجة الثالثة وتجهيزاتهم ليست على الورق بل عددهم وعددهم حقيقة لا شائبة فيها كأعمالهم.
قسم السويسريون الخدمة العسكرية إلى عدة أدوار حتى لا تثقل عليهم وينقطعوا بتاتاً عن أعمالهم وبيوتهم ويخففوا عن أمتهم نفقة إطعامهم وإيوائهم فبلاً من أن يقضي الشاب سنتين أو ثلاث سنين تحت السلاح كما هو عند معظم الأمم لا يبقون في الخدمة إلا أشهراً معدودة في السنة الأولى ولكن المرء يبقى جندياً من العشرين إلى الأربعين ويدعى لحمل السلاح والتعلم في مواعيد مختلفة قد لا تتجاوز إلا ربع السنين وتكون عنده بندقيته يتعلم فيها في بيته وحقله ولا يستعملها إلا لهذا الغرض والولد منذ المدرسة الابتدائية إلى المدرسة العليا إلى الكلية يتعلم التعليم العسكري وهو تحت ملاحظة الضباط الذين يأتون أحياناً للتحقيق عن أمره والإشراف على رمايته وفحص سلاحه الذي تعطيه إياه الحكومة ومن خالف ذلك يعاقب بأشد العقوبات وهيهات أن تجد مخالفاً.
سويسرا الحديثة ليست محاربة ولا تثير بينها وبين جاراتها أسباب النزاع لأن قلة عددها بين أمم كبرى لا يجعل الحرب من مصلحتها ولذلك فاستعداد السويسري للطوارئ وتمرينه على الحرب ووطنيته المشتعلة وفكره الشعبي ليست إلى عداء وحب فتح بل للدفاع عن كيانه فسويسرا كل سنة تعطي منحة لمكتب السلام في برن ولكنها باليد الأخرى تبتاع السلاح الجديد وتجهز جيشها بكل ما تقدر عليه من القوة وتزيد في ميزانيتها البرية سنة عن سنة لم يمنعها الحياد أن تعمد على الطرق العملية كسائر أعمالها في فروع الحياة لأن