تشجير أراضي السلطنة من أهم المسائل الاقتصادية المهمة التي يجب أن تصرف لها عناية العثمانيين وحكومتهم فقد جهل الناس منافع الغابات ولم تعن الحكومة بالهيمنة عليها حتى أتى السكان أو كادوا في أكثر الأقاليم على ما لقى لهم الأجداد من الغابات الغبياء فكاد الخطر يحدق بحياة البلاد الاقتصادية ويوشك أن يستفحل الخطب لهذا الإهمال.
قال العارفون أن في المحافظة على الغابات نجاح الزراعة والتجارة والمعامل والصناعات والملاحة البحرية والنهرية والمناجم وجميع أسباب الراحة في الحياة بل وحياتنا أيضاً، ودعا المحدثون من الاقتصاديين والمفكرين في الغرب إلى حفظ الغابات قائلين أن حفظها من أول مصالح المجتمعات وحفظها أول الواجبات على الحكومات وأثبتوا أنه كلما قطعت من بلد أشجاره يمسي فقيراً لأن في قطع الأشجار التي تغشى منحدرات الجبال وقتها ثلاثة مصائب لأبناء الأجيال المقبلة: قلة الوقود وقلة المياه واعداد البلاد الفيضانات المخربة فحياة البشر مناطة بالاشجار، والأمم التي تحب الغابات هي من الأمم العاملة التي تحسب للمستقبل حسابه وبقدر عراقة الأفراد في الأخلاق والتقاليد يجعلون لهم منها رؤوس أموال فيفلحون بها ويرتاشون.
إبادة الأشجار جائحة من جوائح الانسان ونذير اضمحلال الأمم فالاحتفاظ بالغابات والآجام هو تطبيق لمبدأ الدين الاجتماعي وقانون التكافل الذي يربط الأجيال بعضها ببعض قال الوزير كولبر الفرنسوي ذات يوم وقد رأى قلة عناية أمته بغاباتها: أن فرنسا ستهلك من قلة الحراج.
وليس معنى إبادة الغابات حرمان بلادنا من أجمل حليها بل انضاب ينابيع الأنهار وإخلال نظامها إخلالا فيه الهلاك والتخريب والإضرار بالصحة العامة وتغيير وضع الأرض التي تحملنا فتتآكل التربة الصالحة منها على الزمن بهجوم المياه عليها دفعة واحدة وهو من أعظم الأخطار على التربة المنحدرة، ومتى عري الجبل من أشجاره يهلك الزرع والضرع معاً فتجري السيول على التربة الجرداء تحمل معها أولاً التربة الصالحة للزراعة ثم تفرج ما بين الصخور وتجعل الأحجار ركاماً مشرفاً على الأودية ويصبح النهر مسيلاً تكثر مياهه فتفيض أيام الأمطار وتنهال بدون نظام مودية بكل مافي طريقها وتتزايد زيادة هائلة فيفيض في السهل وهناك الفيضان والطوفان وتقطع الأمواج بتيارها الأشجار والصخور