للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مصر ومستقبل إفريقية]

مقتضب من كتاب تحرير مصر

لا ينكر أحد أن أتعاب المرسلين المسيحيين في إفريقية قد ذهبت أدراج الرياح وأن أهل إفريقية لا يزالون كلهم وثنيين عباد أصنام. وإنا لا نرى في أواسط إفريقية وشمالها ديناً مستحكماً غير الدين المحمدي. فكأن الإسلام فاز حيث خابت النصرانية لأن في الإسلام ما يجذب الإفريقي مما لا يوجد في النصرانية. وهنا نذكر أوربا وهي التي لم تر نور النصرانية إلا بعد أن اقتبست المدنية اليونانية الرومانية.

نقول ذلك ولعل الإفريقي لا يزال عاجزاً عن الأخذ بالمسيحية لأنه لم يستعد لها كل الاستعداد. وبعد فلا يخفى أنه لم تسكن إفريقية أمة أوربية سوى البوير فهي الأمة الوحيدة التي تمكنت من العيش في جو إفريقية وهوائها ولكنها على قدرتها وذكائها لم تفلح في مصادمة الوطنيين ولم تخضع منهم أحداً لدينها ولا لمدنيتها ذاك لأن المدنية الغربية لا تدخل إلا في مكان دخلته المسيحية. ولا حاجة أن نقول هنا بأن شعوب إفريقية لم تتعلم من أوربا شيئاً استفادت به أو ساعدها على التقدم في طريق المدنية على أن البيض لم يشدوا رحلهم إلى إفريقية إلا ليغنموا أو يربحوا فهم إذا نزحوا عن مستعمراتهم تركوها خالية خاوية وغادروا الدار تنعي من بناها.

وما ذلك إلا لأن بين الوطني والأجنبي حاجزاً منيعاً لا يمكن جوازه. ولاشك في أن هذا البغض والنفور السائدين بين الوطنيين والأجانب يؤديان أخيراً إلى انقراض سكان إفريقية الأصليين واستئصال شأفتهم لا محالة.

وإن الإنسانية في أوربا لترجو أن لا تعيد في إفريقية تمثيل الرواية المحزنة التي مثلتها في أميركا. فإن تاريخ استعمار العالم الجديد يحرج صدر الحليم ويسيل مدامع أجمد الناس عيناً ويلين فؤاد أقسى البشر قلباً. ولقد فشلت أوربا في أميركا فشلها في إفريقية لأنها لم تستطع الوقوف على أخلاق شعب الهنود الحمر وعاداته وديانته وصفاته. أضف إلى ذلك أن الأوربيين لم يحاولوا تغيير دين أهل أميركا الأصليين أو إدخال أقل إصلاح على حالهم. ولا ندري إذا كانوا ينجحون لو حاولوا إدخال النصرانية أم لا. ولكن ما نعلمه هو أنهم لم يحاولوا ذلك بل جاء الرجل الأبيض وأزاح بيده القوية كل ما يتمثل أمامه وتناول سيفه