هذا كتاب أخرجه مؤلفه للناس باللغة الفرنسية في الشهر الماضي في نحو أربعمائة صفحة وقسمه إلى عشرة أجزاء ذكر في الأول الأسرة ومقر الأسرة وفي الثاني طوائف الناس وتاريخهم وحالة العالم الحاضرة وفي الثالث العواطف الدينية ومظاهرها وتأثير المعتقدات الدينية الاجتماعي وفي الرابع الأوضاع القانونية وتعديل تنظيم القانون وفي الخامس المصالح المادية واتساعها ومكانتها بين الأمم والحملات البحرية والاستعمارية ونتائجها وفي السادس الصنائع والفنون والهندسة والنقش والتصوير والموسيقى وفي السابع الآداب وانتشار القديم والحديث منها وفي الثامن نظرة في العلوم وما نتج من الأخطاء فيها على التوالي وفي التاسع طريقة التعليم على اختلاف العصور وفي العاشر نشوء الأفكار السياسية والمنازع الاجتماعية. هذه فصول الكتاب وكلها مفيد نافع توخى مؤلفه بعد التجارب الطويلة أن يجعله معلماً للقارئ يتناول تعليمه لا أن يلقى عليه مسائل قد لا يفهمها إلا كبار العلماء. فجاء كتابه نافعاً للخاصة والعامة جامعاً العمليات إلى النظريات قال المؤلف في مقدمته:
كنت في قرطجنة على شاطئ البحر والظلام ملق سدوله على السماء فلا ترى فيها إلا ما ازدانت به من زينة الكواكب والسكون يحف بي وقد ملئ أسراراً وساد الآكام والسهل حيث كانت هذه المدينة الفينيقية في سالف العصور محاطة بأسوارها الثلاثة وفيها معابدها وقصورها وأرصفتها الزاهية واليوم لا يرى فيها إلا بضعة حوائط مبعثرة يرد عهدها إلى العصر الروماني وأكوام من الأنقاض يحدق بها فلاح عربي بمحراثه وقباب باهتة وأحواض نصفها مملوء وقبور مدنسة وقطع من عمد ملقاة بين باقات نبات البرواق والفحم.
رأيت ثمة صورة لا تنسى فذكرت بتلك الخرائب المبعثرة ما طرأ من التبديل العظيم على الحياة الاجتماعية فكان منه انحلال في بعض الأصقاع وتحسين في أخرى وما برح قابلاً للتحول بما فيه من النقص الظاهر لاتساعه وانبساط محيطه فأدى بي التأمل إلى أن أخذت أفكر في القوانين التي لا تتبدل أحكامها في هذا الوجود ولم يبرح أمرها مجهولاً في الأغلب.