[خواطر سائح]
لا نخال أحداً من الناطقين بالضاد يجهل مكانة الأستاذ العالم الشيخ عبد المحسن الكاظمي البغدادي نزيل القاهرة ورسوخ قدمه في الشعر بعد أن حمل المؤيد والمنار قصيدته العينية الشهيرة إلى الأقطار التي يتكلم أهلها بالعربية ولقد أتحفنا حفظه الله بالقصيدة الآتية أرسلها إلى صديق له جواباً عن قصيدة وقد ضمنها ما رآه واختبره في رحلته من - أبو شهر - أحد الثغور الفارسية إلى القاهرة وهي كما يراها قراء المقتبس تصورات عصرية بأسلوب بدوي متين وسبك محكم رصين وهذه هي:
جوىً أودى بقلبك أم وجيبُ ... غداة حدا بك الحادي الطروبُ
بعدت عن الديار وصرتَ تدعو ... على البعد الديارَ ولا مجيب
رحلت وأنت للعلياءِ صاد ... تحوم على الموارد أو تلوبُ
وخلفت المنازل آنساتٍ ... سروب الغيد تتبعها سروب
تشق حشاك من كلف عليها ... وتأنفُ أن تشقَّ لك الجيوب
وتسحب كالأنيس فضول برد ... وفي برديك ذو شجن كئيب
تشدُّ الرحل من بلد لأخرى ... وما لمناك من بلد تصيب
وتبلو الناس فرداً بعد فرد ... وما في الناس إلا ما يريب
كأنك ترود مرعى كل أنس ... ومرعى الإنس في الزورا خصيب
وفي مصر أراك وأنت لاهٍ ... وقلبك في العراق جوىً يذوب
فكم والى مَ تنجب ثم تبكي ... ولا يجدي البكاء ولا النحيب
وتشرب ماَء جفنك وهو ملح ... ووردك بالحمى عذب شروب
كأن الدمع بنطف وهو قان ... عصارةُ كرمة والجفن كوب
دع الأنفاس تصعد محرقات ... وخل الدمع من علقٍ يصوب
لقد بان الخليط فلا خليط ... وقد بعد الحبيب فلا حبيب
فلا تتكلفنَّ لي التصابي ... ولا تسم الحشا ما لا يثيبُ
فلا حلوان في عينيَّ تحلو ... ولا طيب الجنينة لي يطيب
وما في ذا الحمى لي من حميم ... بصحبته ألذُّ واستطيب
ورب أخ رماه البين عني ... بعيداً وهو من قلبي قريب