لا يجهل حالة الزمن الحاضر وخطورة أمره فإن إعلان الحرب وتفشي الحميات والأوبئة في دمشق وأرباضها وبقاء أكثر العائلات من دون رجال لتجنيد الآباء والأبناء كل ذلك يستدعي النظر ويستحق الاهتمام.
تضم الفيحاء بين جدرانها اليوم عدة مكاتب تطوف تلامذتها الشوارع في الأيام الرسمية حاملة الأعلام منشدة الأناشيد صادحة الموسيقى لتظهر للملاء تقدم المعارف ورقبها وربما ظل بعضها حتى نصف الليل طائفاً في الخارج مما نص نظام تربية الأطفال على منعه وقضى بعدم جوازه والواجب أن يبرحوا مدرستهم وأن لا يقيموا مجتمعين في محال مغلقة النوافذ رطبة ضيقة الأكتاف مراعاة لحالة الوقت والصحة.
تقسم درجات المكاتب بوجه عام إلى ثلاث عالٍ وتال وابتدائي وسيدور البحث هنا على أولئك الصغار طلاب المدارس الابتدائية لحرمانهم من قوة الإدراك ولكونهم لا يعرفون شيئاً سوى التقليد وما هم في الحقيقة إلا كالببغاء تردد ما تسمعه خلافاً لرفاقهم تلامذة القسمين الباقيين فهم يفرقون بين النافع والضار ويميزون بين الخبيث والطيب.
وعندي أن من الخطأ إرسال الأطفال إلى المكاتب في مثل هذا الزمن وترى الأهالي في البلدان التي نما فيها هذا الفن وأزهر يعتنون بتربية أطفالهم في المدارس أكثر من البيوت أما نحن فبالعكس فإننا مضطرون إلى تربيتهم في البيت
إن أكثر ما ينجم من الأضرار عن إرسال هؤلاء إلى المدارس ناشئ عن حبهم للتقليد كما أسلفنا فتراهم مثلاً يشربون ماء بردى الممنوع تجرعه صحياً اليوم ولا يحجمون عن ابتياع الفواكه الفجة الممنوعة كالمشمش والخوخ وغيرهما من بقية الأثمار وما يتناولونه من المتليكات ويأكلونه بشراهة مما يكون عاملاً مهماً في سراية الأمراض وانتشارها
ولقد ثبت بالاختبار والتجربة أنه إذا أصيب فرد من عائلة بمرض فإن نصيب هذه العائلة الشقاء إذا لم تتخذ التدابير الفنية والاحتياطات اللازمة فلذلك كان من الضروري العناية بتربية هؤلاء الأطفال في العش الذي فيه درجوا والوكر الذي منه خرجوا بعرفة أسرهم في محيط متأخر تضاءلت فيه أنوار العلوم وانحطت الأخلاق وفسدت التربية كهذا المحيط إنقاذاً لهم من شقاء محتم وحفظاً لحياتهم وصوناً لمستقبلهم وهذا على ما أرى لا يحتاج إلى عناء وفرط اهتمام بل هو غاية في السهولة