قال الراغب: الناس ضربان خاص وعام فالخاص من قد تخصص من المعارف بالحقائق دون التقليدات ومن الأعمال ما يتبلغ به إلى جنة المأوى دون ما يقتصر به على الحياة الدنيا والعام إذا اعتبر بأمور الدين فالذين يرضون من المعارف بالتقليدات ومن أكثر الأعمال بما يؤدي إلى منفعة دنيوية وإذا اعتبر بأمور الدنيا فالخاص ما يتخصص بأمور البلد مما ينخرم من افتقاده إحدى السياسات المدنية والعام ما لا ينخرم بافتقاده شيء منها. وهم من وجه آخر ثلاثة خاصة وعامة وأوساط والأوساط هم المسمون في كلام العرب بالسوقة فالخاص هو الذي يسوس ولا يساس والعام هو الذي يساس ولا يسوس والوسط هو الذي يسوسه من فوقه وهو يسوس من دونه. ومن وجه آخر ثلاث أضرب أصحاب الشهوات وهمهم الجدة واليسار والأكل والشرب والبعال وأصحاب الكرامة والرياسة وهمهم المدح واستجلاب الصيت والمحمدة وأصحاب الحكمة وكل واحد منهم يستعظم من هو من جنسه. قال بعض الحكماء: ما من إنسان إلا وفيه خلق من خلاق بعض الحيوانات وبعض النبات لكون الإنسان مشاركاً لها في الجنسية وإن كان مبايناً لهما في النوعية فمن الناس غشوم كالأسد وعائث كالذئب وخب كالثعلب وشره كالخنزير وجامع كالنمل ووقح كالذباب وبليد كالحمار وألوف كطير الوفاء وصنع كالسرفة وآنف كالأسد والنمر وغيور كالديك وهادئ كالحمام ومنهم حسن المنظر والمخبر كالأترج ومنهم بخلاف ذلك كالعفص والبلوط ومنهم قبيح المنظر حسن المخبر كالجوز واللوز ومنهم حسن المنظر قبيح المخبر كالحنظل والدفلى والمؤمن الخير هو في الحيوانات كالنحل يأخذ أطايب الأشجار ولا يقطف ثمراً ولا يكسر شجراً ولا يؤذي بشراً ثم يعطي الناس ما يكثر نفعه ويحلو طعمه ويطيب ريحه وهو في الأشجار كالأترج يطيب حملاً ونوراً وعوداً وورقاً والمنافق الشرير هو في الحيوانات كالقمل والأرضة وفي الأشجار كالكشوت فلا أصل له ولا ورق ولا نسيم ولا زل ولا زهر يفسد الثمار وييبس الأشجار وكالشجرة التي قل ورقها وكثر شوكها وصعب مرتقاها.
هذا ما ذكره الأصفهاني في وصف طبقات الناس وما يرجى منهم من المنافع وما يخشى من مضارهم قاله منذ زهاء ثمانمائة سنة ويقال مثله بعد قرون كما يصح إطلاقه على ألوف من السنين من قبل. ويرى الناظر في هذه الحياة الدنيا من سلطان الأوهام الكثيرة تأثيراً في دفع الناس بعضهم عن بعض ولولا ذلك لاختل النظام أو كاد. وكان معظم تأثير الأوهام في