فجعت الآداب العربية في العشر الأخير من تموز ١٩١٤ برصيفنا جرجي بك زيدان صاحب مجلة الهلال ومؤلف تاريخ التمدن الإسلامي وصاحب التصانيف والروايات الكثيرة مثل تاريخ الآداب العربية وتاريخ مصر الحديث ومشاهير الشرق والفلسفة اللغوية وتاريخ الماسونية العام وغيرها. توفاه الله في القاهرة فجأة فعز نعيه على الأذان أكبرت النفوس الخطب فيه الجليل خدمته للعرب وتاريخهم ولغتهم وحضارتهم.
ولد الفقيد في بيروت يوم ١٤ كانون الأول من شهور سنة ١٨٦١ وتلقى مبادئ العلوم في مدارسها الابتدائية ثم دعته حالة والده المالية إلى الانتقال معه وكان صغيراً ولما بلغ الثانية عشرة وانشأ خلال ذلك يكب على المطالعة ويتعلم الانكليزية وبعض العلوم ودرس الصيدلة ونال شهادتها ثم هبط مصر ليتلقى الطب في القصر العيني فاستطال مدة الدراسة ثم تولى تحرير جريدة الزمان حولاً كاملاً وفي سنة ١٨٨٤ سار مع الحملة إلى السودان لإنقاذ غوردون باشا بصفة مترجم بقلم المخابرات وعاد بعد عشرة أشهر إلى بيروت وفي صيف سنة ١٨٨٦ زار لندرا وعاد في الشتاء إلى مصر فتولى إدارة مجلة المقتطف والمؤازرة فيها حتى سنة ١٨٨٨ وفي سنة ١٨٩٢ اصدر مجلة الهلال وقد اتم بوفاته سنتها الثانية والعشرين وزار في السنة الفائتة بعض بلاد الغرب وكتب عنها ومعظم تأليفه صدرت في العهد الأخير مع اطراد صدور مجلته التي راجت رواجاً لم يعهد لمجلة عربية ومع هذا لم تكن تقوم بنفقته كلها كما كان أكد لنا لولا الروايات التي كان يشفعها بها ثم يخرجها على حدة ومنها ما طبع مرات ومنها ما ترجم إلى بعض اللغات.
راجت كتب الفقيد العالم ومجلته لأنه كان له أسلوب خاص قلما يشاركه فيه مشارك من السلاسة وحسن التنسيق فكان يكتب ليفكه القارئ أولاً ثم يعمله وفي الغالب انه كان يتوخى النوع الأول فجاءت بعض كتبه التاريخية والعلمية كثيرة الاستنباط عليها في بعض الأحيان مسحة من أسلوب القصص والتوسع في الاستنتاج ولكنها مفيدة في تثقيف عقول جمهور كبير من القراء ممن نشرت بينهم المعارف التاريخية ولا سيما تاريخ الإسلام في الجملة وهذه الطبقة من الناس لو لم تأتها الفوائد بالعرض من أيسر السبل لم تجب إليها المطالعة.
ولذلك فإن لصاحب الهلال فضلاً كبيراً على الآداب العربية لأنه نشر كتبه ومجلته أبحاثاً كانت مدفونة عن العامة لا يتناولها سوى الخاصة من العلماء والمتأدبين.