فقدت دمشق في ١٠ ربيع الأول سنة ١٣٣٥ هذا العالم المنوّر والأديب المشارك عن ٨٢ عاماً (ولد سنة ١٢٥٣هـ) فعز نعيه على كل من عرف فضله الواسع وأدبه الغض ومجالسه المفيدة ودروسه الممتعة.
حفظ القرآن وجوّده في صباه وتمهر في علومه وأخذ بحظ وافر من الحديث والفقه والتصرف وكانت له يد في التاريخ والأدب والفلك والموسيقى وخلص في آخر أمره من قيود التقييد فكان يتكلم كلام من فهم أسرار الشريعة وتعلق بالكتاب والسنة صحيحة ولذلك لم يخل من حساد ومنافسين استعانوا بالسلطة الزمنية ليحطوا من قدره عند العامة.
كانت مجالس الأستاذ الخاصة كمجالسه العامة مملوءة بالفوائد العلمية والأدبية إذا جد اشرأبت إليه الأعناق والأفكار وإذا مزح ارتاحت لمباسطته الأرواح والقلوب فكان جعبة أدب وظرف ظرف ما غشي مجلسه أحد إلا وتمنى لو امتد أمد الاجتماع به والاستفادة من مروياته ومحفوظاته والتسلي بوثائقه ونوادره. طبع بطابع الرقة وحسن العشرة وأوتي الضرب على العرق الحساس في الناس.
نظم الشعر ومنه بعض المقاطيع والموشحات المشهورة المتداولة ونظمه أرقى من نظم الفقهاء. ودون شعر المغلقين من الشعراء وكتابته على طريقة السجع القديمة وقل أن انفك من أسره كما انفك من أسر التقليد الأعمى لبعض المتقدمين.
وكانت في فن الموسيقى العربية مرجعا يعتمد عليه تخرج به أناس في هذه الحاضرة وساعده على ذلك عذوبة صوته وعذوبة حديثة فجمع إلى العلم بهذا الفن الجليل عملاً حتى كانت له في صباه وكهولته مجالس خاصة في الإنشاد والغناء المستجاد يحسده عليها كل من رزق ذوقاً سليماً وهي في غير ما محرم عقلاً وديناً وعرفاً بل يقصد منها راحة القلب من هموم الحياة وإلقاء النشاط في النفس لتقوى على العمل والانكماش وتدب فيها روح الشجاعة ورقة العاطفة وتلقن حب الوطن والملة.
فإذا كان فقيدنا توغل في كتب السنة وأمعن النظر فيما قاله ابن تيمية وابن قيم الجوزية والشوكاني وحسن صديق خان فلم يفته تلحين شعر ابن الرومي وابن المعتز وأبي فراس وأبي الطيب وإن دعا إلة العلم الإسلامي الصحيح فما قصر في النسيب والتشبيب وما يطرب به الأديب. وإذا رتل الكتاب ترتيلا في محرابه وصومعته فما سلب من النفس