للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صدور المشارقة والمغاربة]

لسان الدين ابن الخطيب

٧١٣ - ٦٧٧

قلما يتأتى لعالم ولي المناصب الرفيعة في الدول أن يبارك به في وقته فيجتمع على أحسن وجه القيام باعبائها إلى الأعمال العلمية. والأمارة والعلم قلما يجتمعان وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه. من اجل هذا رأينا مثل ابن حزم وابن الهيثم يزهدان في الوزارة بل يحتالأن إلى الخلاص من توليها علماً منهما بانها صارفة لهما عن التمجض لخدمة العلم والتوفر على التصنيف.

وقل في رجال هذه الأمة من جمعوا بين المزيتين ولاية الأعمال وصرف أوقات الفراغ في التصنيف وتنمية ملكة العلم على ما كان شأن القاضي الفاضل ولسأن الدين ابن الخطيب فمترجمنا هذا هو احد مفاخر الأندلس ونوابغها علماً وعملاً لم تلهه أعمال الوزارة عن النظر في علوم كانت هي السبيل في وصوله إليها وساعده زيادة على ما كان يحافظ عليه من اوقاته إنه كان مبتلى بالارق يسهر الليل الا أقله ولذل قيل له ذو العمرين لإنه كان يعمل في ليلة كما يعمل في نهاره. فلا عجب بعد هذا أن عدت مصنفاته بستين مصنفاً لو خلف بعضها عالم انقطع للعلم جملة لعدت غربية في تابها فما بالك بابن الخطيب يتولى أمور الناس والأندلس قد أشرفت على السقوط والفتن بين الأمراء على ساق وقدم والدسائس عليه من كل جهة يكتب ويفكر وقد ترجمه ابن خلدون فقال: أصل هذا الرجل من لوشة على مرحلة من غرناطة كان له بها سلف معروفون في وزارتها وانتقل ابو عبد الله إلى غرناطة واستخدم لملوك بني الأحمر واستعمل على مخازن الطعام ونشأ ابنه محمد هذا بغرناطة وقرأ وتأدب على مشيختها واختص بصحبة الحكيم المشهور يحيى بن هذيل وأخذ عنه العلوم الفلسفية وبرز في الطب وانتحل الأدب وأخذ عن أشياخه وامتلأ حوض السلطان من نظمه ونثره مع انتقاء الجيد منه وبلغ في الشعر والترسيل حيث لا يجاري فيها.

وامتدح السلطان أبا الحجاج من ملوك بني الأحمر وملأ الدولة بمدايحه وانتشرت في الآفاق قدماه فرقاه السلطان إلى خدمته وأثبته في ديوان الكتاب ببابه مرؤوساً بأبي الحسن ابن