وبه نستعين قال صالح بن جنان: اعلم أن العرب قد تجعل للشيء الواحد أسماء وتسمي بالشيء الواحد أشياء فإذا سنح لك ذكر شيء فاذكره بأحسن أسمائه فإن ذلك من المروءة وإنما الرجل بمروءته فالمروءة اجتناب الرجل ما يشينه واجتناؤه ما يزينه وإنه لا مروءة لمن لا أدب له ولا أدي لمن لا عقل له ولا عقل لمن ظن أن في عقله ما يغنيه ويكفيه عن غيره وشتان بين عقل وافر معه خمسون عقل كلها وافر مثله ومن عقل وافر لا فائدة معه ومن ذلك قول الشاعر:
وما أدب الإنسان شيء كعقله ... ولا زينة إلا بحسن التأدب
وقال أن الأفئدة مزارع الألسن فيمنها ما ينبت ما زرع فيه من حسن ولا ينبت ما سمج ومنها ينبت ما سمج ولا ينبت ما حسن ومنها ما ينبت جميع ذلك ومنها لا ينبت شيئاً وإن من المنطق لما هو أشد من الحجر وأنفذ من الإبر وأمر من الصبر وأحر من الأسنة وأنكد من زحل ولربما احتقرت كثيراً منه عَلَى حرارته ومرارته وتنكد مخافة ما هو أحر منه وأمر وأفظع وأنكر وفي ذلك قول الشاعر:
لقد أسمع القول الذي كاد كلما ... يذكر تيه الدهر قلبي يصدع
فأبدي لمن أبداه مني بشاشة ... كأني مسرور بما منه أسمعه
وما ذاك من عجبٍ به غير أنني ... أرى أن ترك الشر للقمر أقطع
وقال في ذي الوجهين: من أظهر ما تحب أو تكره فإنما يقاس ما أضمر بما لا أظهر لأنك لا تقدر أن تعرف ما أسر وقال:
ليس المسيء إذا تغيب سوء ... عندي بمنزلة المسني المعلن
كم كان يظهر ما أحب فإنه ... عندي بمنزلة الأمير المحسن
والله أعلم بالقلوب وإنما ... لك ما بدا منهم بالألسن
ولقد يقال خلاف ذلك وإنما ... لك ما بدا منهم بالأعين
وقال في الصدود: أما بعد فقد أحضرتني من صدرك ما آيسني من ودك ولم يزل يجري في