قال ابن سينا رحمه الله في كتاب الحدود: الجن حيوان هوائي ناطق مكشف الجرم من شأنه أن يتشكل بأشكال مختلفة (قال) وليس هذا رسمه بل هو معنى اسمه اهـ قال أبو البقاء في كلياته: أي هذا بيان لمدلول هذا اللفظ مع قطع النظر عن انطباقه على حقيقة خارجية سواء كان معدوماً في الخارج أو موجوداً ولم يعلم وجوده فيه فإن التعريف الاسمي لا يكون إلا كذلك بخلاف التعريف الحقيقي فإن عبارة عن تصور ماله حقيقة خارجية في الذهن (ثم قال أبو البقاء) وجمهور أرباب الملل المصدقين بالأنبياء قد اعترفوا بوجوده واعترف به جمع عظيم من قدماء الفلاسفة أيضاً.
وفي رسالة للمعلم الثاني أبو نصر محمد الفارابي في جواب مسائل سئل عنها ما مثاله:
(سئل) فيما رآه بعض العوام في معنى الجن وسأله عن ماهيته (فقال): الجن حي غير ناطق غير مائت وذلك على ما توجبه القسمة التي يتبين منها حد الإنسان المعروف عند الناس أعني الحي الناطق المائت، وذلك أن الحي منه ناطق مائت وهو الإنسان ومنه ناطق غير مائت وهو الملك، ومنه غير ناطق مائت وهو البهائم، ومنه غير ناطق غير مائت وهو الجن: فقال السائل: الذي في القرآن مناقض لهذا وهو قوله استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً والذي هو غير ناطق كيف يسمع وكيف يقول: فقال: ليس ذلك بمناقض وذلك أن السمع والقول يمكن أن يوجد للحي من حيث هو حي لأن القول والتلفظ غير التمييز الذي هو النطق، وترى كثيراً من البهائم لا قول لها وهي حية، وصوت الإنسان مع هذه المقاطع هو له طبيعي من حيث هو حي بهذا النوع كما أن صوت كل نوع من أنواع الحي لا يشبه صوت غيره من الأنواع كذلك هذا الصوت بهذه المقاطع التي للإنسان مخالف لأصوات غيره من أنواع الحيوان، أما قولنا: غير مائت فالقرآن يدل بذلك في قوله تعالى رب انظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين اهـ.