يوماً بالدخول إليها وإذا بها تقرأ في سورة البقرة وقد بلغت الآية فإن لم يصبها وابلٌ فأطل وأرادت أن تقول فطل فقالت فالذي نهى عنه أمير المؤمنين فضحك وقال لها ولا كل هذا.
هكذا روى القيرواني أما الأصبهاني فقال أنه عندما سمع الرشيد منها ذلك وهبها الغلام بعد أن قبل رأسها وقال لها لست أمنعك بعد اليوم من شيءٍ تريدينه وعندنا أن الرواية الأولى أدنى إلى الصحة على ما عهد من غيرة الرشيد وأنفته كيف وهو الهاشمي الأبي العزوف النفس ولقد روي عن لسان علية أنها قال لا غفر الله لي فاحشة ارتكبتها قط ولا أقول في شعري إلا عبثاً وهي هي التي تقول ما حرَّم الله شيئاً إلا وقد جعل فيما حلل منه عوضاً فبأي شيءٍ يحتج عاصيه وبالجملة لو لم يكن حبها للجمال مقصوراً على القيل والقال لما أكثرت من شعرها من ذكر الهجرة والوحشة والشوق فما نظمت بيتاً في التشبيب والغزل إلا كاد ينطق بعفتها وأدبها بغير لسان ويعرب عن نزاهتها وتصونها كأفصح ترجمان لأن النار لا تنبعث عن فؤَاد أخمدته الشهوات وأطفأت جذوته اللذات وما أحلى قولها تشكو وتتألم وهو من مهلهل الشعر:
نام عذالي ولم أنم ... واشتفى الواشون من سقمي
وإذا ما قلن بي ألمٌ ... شك من أهواه في ألمي
ولو شئنا أن نأتي على جميع أخبارها ومنظوماتها وما ذكر الرواة من بدائعها ونكاتها لضاق بنا المقام وأدرك القارئ الملال فلم نرد بداً من الاقتصار على ما أوردنا تبصرة للرجال وتذكرة لمن أغفلن العلم ولم يعتنين بالفضل من ربات الحجال خاتمين هذا الفصل ببيتين لعلية لا يخلوان من الحكمة والعبرة لمن يكثر الزيارة واللبيب تغنيه الإشارة:
إني كثرت عليه في زيارته ... فمل الشيءُ مملولٌ إذا كثرا
ورابني منه أني لا أزال ارى ... في طرفه قصراً عني إذا نظرا