نشر هذه الأيام رئيس نظار فرنسا المسيو دومر كتاباً سماه كتاب لا بنائي فاقتبسنا منه الفصل الآتي وهاك تعريبه قال: إن في العمل حياة والفكر والإرادة لا يعدان شيئاً إذا لم يكونا سلماً للعمل. إلا وأن العمل والنشاط والسعي من لوازم التوازن الأدبي والطبيعي في الإنسان وهي من شروط كيانه وفيها بقاء المجتمعات البشرية. ولقد فضت الفطرة أن يكون العمل فرضاً مادياً وجعله قانون الأدب واجباً. رجل العمل هو الرجل النافع لنفسه ولغيره ولبلاده. وتحتاج فرنسا أكثر من قبل إلى رجال عمل من أبنائها فرجال القول فيها كثير. وقد مدح أجدادنا بفصاحتهم منذ عشرين قرناً وينهال عليهم هذا المديح المضحك أيام السقوط والانحطاط خاصة. ولقد كان قيصر يذبح خطباء الغلوا ويجرهم دامية أجسادهم إلى مركبة ظفره ولطالما خطبوا وأجادوا وظلت بلاد الغول مستعبدة.
ومن السعادة أن نرى أهل جنسنا قد أظهروا في تاريخهم الطويل المجيد من القادرين على العمل أكثر من غيرهم تشهد بذلك ألفا سنة قضاها في العمل والحرب والمجد فمن الواجب أن نجد في أبنائنا اليوم ذاك الشعور بالعمل والإرادة فمستقبلنا وحياتنا مناطان بذلك.
فبالعمل المتواصل الفعال يظفر المرء بالنجاح في جهاد الحياة وميدان العالم فالعمل لازم للدلالة على أننا مطبوعون عليه متطالون إليه وذلك بدون وناء دون أن نعرف العنت والتعب. فبالعمل تستحكم قوى جسدنا وعقلنا ونحفظ صحتنا الطبيعية والأدبية. فالعمل هو الحركة والنشاط وإن شئت فقل هو الحياة بعينها. والجمود والبلادة في قلة الحركة وفي قلة الحركة الموت. وإن في العمل على اختلاف أشكاله عقلياً كان أو أدبياً أو طبيعياً لإشارة على الحياة الشديدة. تلك الحياة التي هي أليق بأن تكون شعار النفوس الكبيرة والتي يجدر بالمرء أن يحيا بها. هب يا هذا للعمل أحسن ما في حياتك فليس كل عمل سعياً والسعي هو العمل المستمر القانوني والعمل يوجد ويغير وينتج. ولا يكفى الانصراف إلى العمل جملة واحدة بل لابد لنا من السعي في العمل المنتج للخيرات العقلية والطبيعية. فالسعي هو أول قانون إنساني أبدي يقضي على الجميع أن يتوفروا عليه فبه تكبر النفوس وتشرف الأرواح وهو ضروري للسواد الأعظم وفرض على الجميع.