أعظم حسنة تسجل لألمانيا فصلها التعليم الديني عن التعليم الذنيوي بدون أن تمس أحدهما بسوء وتعطي لأحدهما ما سلبته من الثاني ولذلك استقام أمرها وأصبحت مدرسة العالم فلم تغل في محاربة الدين كفرنسا ولم تبالغ في التعصب له كاسبانيا بل كانت بين بين واليك ما قاله صاحب كتاب ألمانيا الحديثة ونشوئها في كيفية فصلها للتعليمين على اسلوب حكيم قال ماترجمته:
جاهدت ألمانيا في سبيل نشؤها المادي ولم تترك الجهاد في طريق ارتقائها العلمي وإحداث تعليم وطني لبلادها تتعاوره الايدي بالإصلاح كل حين.
ومن المحقق أن الحكومة الألمانية أخذت على نفسها أن تنظم قواها الدفاعية والهجومية وإن تنمي شعبها وثروتها وتسهر على امن رعاياها ورفاهيتهم المادية ولكنها لم تقف عند هذا الحد في القرن التاسع عشر بل ما كاد يطلع فجره حتى قام الفيلسوفإن فيختي وهيجل يحققأن الأماني بما أنشآه من الاوضاع العلمية ويدلأن الألمان على الطرق التي تبلغ بهم أقصى درجات الارتقاء.
ومابرح هذا الاعتقاد منذ نهض هذان العظيمان ينتشر ويقوى حتى ادى إلى نتيجتين عظيمتين إحداهما تولي الحكومة لادارة التعليم بدل الكنيسة وأخذها على عاتقيه تنسقه ومراقبته وتوفرها على نشره على اختلاف درجاته توفراً لم يسبق له نظير وثانيتهما أن الأمة انتظمت حالها على التدريج فايقنت بما تسأل عنه مع جميع أفرادها ورأت أن من واجبها أن تحتفظ برأس مالها الإنساني فتحمي المساكين والضعفاء خاصة وتدفع عنهم عوادي الهلاك واسواء الفساد الأدبي وتمد إليهم يد المعونة في الازمات وتقيهم عوارض العجز والزمانة.
وهكذا كان نجاح التعليم العام وتنظيم التضامن الاجتماعي أول مابذلت الحكومة الألمانية عنايتها به.
أخذت الحكومة أولا بالتتابع تصبغ التعليم بصبغة عامية وتسلب من الكنيسة هذا الحق بعد أن كان في القرون الوسطى لها وحدها القول الفصل في شؤون التعليم. ففي أواخر القرون الوسطى سقطت الكليات تحت مراقبة الحكومة وبعد دخول عهد الإصلاح (قيام لوثيروس المصلح في النصرا نية) سقطت في يدها المدارس الثانوية أيضاً. وفي القرن الثامن عشر