والتاسع عشر جاء دور المدارس الابتدائية فآل أمرها إلى الحكومة تصرفها كما تشاء وتهوى.
قبضت بيدها على أزمة التعليم وأخذت في إدخال التغيير عليه. فقد كأنت الكليات والمدارس اللاتينية فيما سبق ترى من أهم واجباتها أن تخرج رهباناً ولاهوتيين فتعنى المدارس الابتدائية بنشر مبادئ الاعتقاد الديني بين الأمة لم تلبث أن نزعت عنها الصفة الدينية فأصبحت مجامع علمية لا يتصدر فيها اللاهوتيون اليوم كما كانوا امس ولا يتصدر فيها الفلاسفة واللغويون كما كانوا في أوائل القرن التاسع عشر بل الصدارة فيها كل الصدارة لرجال العلم والأطباء.
انتظمت المدرسة الألمانية على صورتها الحاضرة في أوائل القرن التاسع عشر وخلعت عنها اللباس الديني بل صبغة الفكر الأدبي المولد من الحضارة اليونانية التي ازدهرت دراستها على ذاك العهد في ألمانيا وانشأت تعلم تعليماً من مجملات العلوم كعلم اللغات والتاريخ والرياضيات والعلوم الطبيعية. ثم نزعت يدها من يد الكنيسة بتحريص بستالوزي وأخذت تلقي في نفوس التلاميذ الاعتماد على النفس وحب العمل وتبث فيهم بحسب مطالب اللاهوت الأدبي الذي قال به (كانت) الفيلسوف القول بحب الذات او بالشخصية الحرة المستقلة.
ولئن كان التعليم العام نحو منتصف القرن الثامن عشر قد بقي على صبغته الدينية ولاسيما في البلاد التي تنتشر فيها الكثلكة فإن المدرسة الابتدائية في القرن التاسع عشر أصبحت على التدريج مدرسة وطنية تشرب فيها قلوب الشبأن محبة للوطن كانها دين ثان. كل ذلك بفضل العناية التي صرفت لتعليم اللغة الألمانية وتاريخ ألمانيا.
ولا يزال الكنيسة إلى اليوم تأثير مهم في ألمانيا ولاسيما في دائرة التعليم الابتدائي.
وقد ظلت المدرسة على الجملة تقر بالإيمان وتعترف به ومازالت تعلم تعليماً دينياً اعتقادياً.
ومن العجب أن ترى ثمت مدارس كاثوليكية اوبرتستانتية او إصلاحية تعلم تحت حماية الحكومة حقائق دينية بادية التناقض وهي خاضعة في كثير من الأحوال للتفتيش الكنائسي. وقد ثبت أن الاصوات ما برحت تعلو بالشكوى من هذه الحالة فيشتكي المخالفون من الزام أولادهم بتعليم مناف لإيمانهم او لمعتقدهم العلمي.