أحدث ما يقوم به الهنود في العهد الأخير م مقاومة حكومتهم قلقاً وهلعاً وذلك أن الثورة تضطرب لهزتها أعصاب إمبراطورية الهند والقوم هناك يدعون إلى الاستقلال جهاراً حاملين العلم الأحمر ويقوم الدعاة من كل مكان يوقدون جذوة التعصب والتحزب ولا يستنكفون من إتيان كل منكر من قتل النفوس وإهراق الدماء.
قويت هذه الحركة وامتدت دون أن يعوقها عائق لأنه لم يهتم بها أحد في مبدأها لغرابة أمرها ولأنها ظهرت غير متناسبة مع حال العقول في الهند. ولئن كان جمهور موظفي الحكومة الإنكليزية هناك عَلَى جانب من طهارة الوجدان والعلم والتهذيب والتجارب إلا أنهم لم يحسبوا لهذه الحركة حسابها ووهموا في نتائجها وفلتهم عَلَى ما عرفوا به من الذكاء إن ما دعا إلى ذلك غلطات لهم ارتكبوها فنشأ عنها ما نشأَ. وللوقوف عَلَى الصلات المتبادلة بين الحكام الانكليز والمحكومين الوطنيين من الهنود يجب أن نبين الأسس التي قامت عليها الإدارة البريطانية في شبه جزيرة الهند فنقول:
إن الهند أوسع من أوربا فمساحتها ٤، ٨٩٤، ٠٠٠ كيلو متر مربع وسكانها ٢٦٦ مليوناً وأهلها خليط من الناس ما كانوا ولن يكونوا أمة برأسها. قال الفرد ليل: كل من أراد أن يحكم عَلَى امرئٍ بالحكومة التي تحكمه والبلاد التي ينزلها لا يكون حكمه إلا ناقصاً إذ يجهل بذلك طبيعة الحكومة التي تحكمه لا يفيد شيئاً في معرفته نفسه لأن الحكومة نتيجة أحوال عارضه وتدبير موقف اه.
لما استولى الانكليز عَلَى الهند عقيب أن دالت دولة المغول ورفع عن بعض ارجائها علم الفرنسيين لم يجدوا أمامهم حكومة وطنية في البلاد ولا جماعة اجتمعوا لتدبير شؤونهم تربطهم المصلحة المشتركة بها بل رأوا هنا وهناك عصابات غير طبيعية نشأت بالاتفاق بطبيعة الفنح وظلت بطبيعة الحال عبارة عن مجتمعات منفصمة العرى تجمع تحت لوائها ملايين من الناس في أماكن متباينة وكان لهذه الأنوام بحسب مكانتها زعماء يقودونها اسموا أنفسهم أمراء وراجات ونواباً وسلاطين وامبراطرة ولم تتغير هذه الصورة من الحكومة منذ الأعصر التي استولى فيا الفرس والمقدونيون والبارثيون والتتار والمغول وغيرهم عَلَى