إذا قيل أن السياسة لا قلب لها فيقال أن جنون الاستعمار فنون فقد ساق الغرور دولة إيطاليا إلى أن تخرق العهود وقوانين الدول وتبعث إلى طرابلس الغرب وبرقة بمدرعاتها وجيوشها للاستيلاء بدون مسوغ قانوني عَلَى بلاد طرابلس وبرقة من يد صاحبتها الشرعية دولتنا العثمانية ولو أتت دولة شرقية مع دولة غربية ما أتته إيطاليا مع العثمانية لقامت الدول الكبرى يداً واحدة والله أعلم أي تعريض كن يقضين عَلَى المعتدية به ولكن السياسة لا قلب لها وجنون الاستعمار فنون.
قال الرحالة روهلفس الألماني وقد زار صحراء أفريقية مرة ثانية سنة ١٨٧٧: إن طرابلس الغرب مفتاح أفريقية فمن يملكها يملك السودان كله وفي الواقع أن البحر المتوسط يكاد يمس الصحراء من طرابلس وإليها تنتهي ثلاثة أو أربعة طرق من الطرق المهمة في الصحراء فمن طريق غدامس يوصل إلى السودان الغربي ماراً ببلاد توات وتومبكتو ومن طريق مرزوق وغات ينتهي الطريق إلى بحيرة تشاد وطريق بنغازي (برقة) يؤدي إلى النيل ودارفور ولكن هذه الطرق لا أمن فيها وخصوصاً في جهات فزان من الجنوب حيث ال + + ة والجياع من الطوارق قد يمدون أيديهم بالأذى إلى أبناء السبيل ولاسيما أيام المجاعات وما أكثرها في طرابلس وبرقة.
وهذا ما منع فرنسا وغيرها من دول الاستعمار من قطع المطامع من طرابلس لأنها متنائية الأطراف وعمران الصحراء هو والعدم سواء وبلاد هذا حالها من الفقر الطبيعي يستحيل عَلَى شركة عاقلة في الغرب أن تقد عَلَى إنشاء خط حديدي يرابط أدناها بأقصاها عَلَى الأقل ولذلك كانت نقاط اتصال الصحراء بالبحر من البحر الأتلانتيكي وخليج غينية والبحر الأحمر يفضلها التجار وأكثر طرقها لا ماء فيه أربعة أو خمسة أيام عَلَى الوصول إلى البحر المتوسط من إحدى موانئ هذا الإقليم طرابلس ودرنة وبرقة وطبروق والسلوم.
بيد أن إيطاليا تحلم بالاستيلاء عَلَى طرابلس قبل أن تؤلف وحدتها لتكون لها مركزاً تعتمد عليه بين جزيرة كورس الفرنسوية وثغر برزت التونسي وجزيرة مالطة الإنكليزية وثغر تريسته النمسوي فتجعل طبروق من إقليم برقة مرفأً حربياً في نقطة وسطى بين تلك الجزائر والثغور. ويقول أنصار إيطاليا أنهم إذا تم لهم ما تريد فإنها تنتفع من الوجهة الاقتصادية من برقة عَلَى الخصوص لأنها تشبه تونس بعمرانها وقد غرس اليونان الكرم