للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيف كانوا يسيحون]

كتب أحد الباحثين فصلاً إضافياًُ تحت هذا العنوان في المجلة فآثرنا تحصيله لجمعه بين الفائدة والفكاهة قال: إن السفر اليوم لا يتعدى حد السباق السهل اللطيف فهو قليل النفقة وفي مكنة كل إنسان أن يقوم به ولم يكن كذلك في الأزمان السالفة. بل كان التنقل ولا تدعو إليه إلا الحوادث والأشغال لا اللذة وحب الانتقال يستلزم صنوفاً من المتاعب والمصاعب والمخاطر يصعب علينا الآن تصورها.

لم تكن وسائط النقل في القديم لتتعدى الحمار والحصان والجمل والعجلات والهوادج فينزل المسافرون في فنادق لم تكن وافرة العدد. ولقد كان عند العبرانيين فنادق غير مستوفية لشروط النزول فيها حتى أن أرباب الحشمة كانوا يربأون بأنفسهم عن قصدها فكان لهم في كل مدينة أحباب يستقبلونهم فينزلون عليهم وهم يقابلونهم بالمثل وينزلونهم في بيوتهم عندما يسافر هؤلاء أيضاً. دام هذا الحق بين الأسرات مرعياً معمولاً به وأصبح القرى عندهم من أقدس الفروض ولكنه لم يلبث أن اعتوره القلب والإبدال.

ولم يمض زمن حتى انقلبت كيفية الضيافة في بلاد اليونان والرومان والعبرانيين وذلك لأنه من الصعب أن يؤوي الإنسان كل قادم واقتصروا في إنزال الضيوف على معارفهم وأصحابهم ومن لهم مقام سام في قومهم أو يحملون وصية لا بد من تنفيذها وكانوا يرسلون بمن عداهم إلى الخانات على نحو ما يقوم اليوم أبناء القرى في إيواء الجند وضباطهم خلال الحرب. وعمت هذه العادة على عهد الفيلسوف اليوناني تيوفراست (٣٧٤ ـ ٣٨٧ ق. م) وقد وصف المؤرخ توسيديد هذه الخانات أو المضافات بأنها دور كبيرة طولها مائتا قدم وهي مقسومة إلى مساكن عالية وسفلية مفروشة فيها سرر من حديد وقلز.

لم تكن تعرف الفنادق في أرض اليهودية ولكن كان منها على طريق مصر رأى بعضها موسى وامرأته صنورة على أنها لم تكن ذات بهجة ونيقة بل هي عبارة عن مرابط للبهائم وبالقرب منها آبار فيقضي على المسافر أن يأتي معه بجميع ما يلزم لغذائه. ولا تزال الخانات في المدن والمضافات في الأرياف ببلاد الشرق إلى عهدنا هذا على هذه الصورة لا تفوق القديمة بوضعها ولا باستعدادها.

وكانت فنادق الأجرة عند العبرانيين سيئة السمعة وقد صرح بلوتارك المؤرخ اليوناني بأنه لا يجب أن يتعب المرء نفسه بل عليه أن يعمل ما يهوى ولا يحفل بجيرانه فكنت ترى