أبو تمام حبيب الطائي وأبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي وأبو عبادة البحتري هم الشعراء المعول على شعرهم في المولدين جمعوا إلى جزالة الألفاظ وحسن السبك معاني الحضارة وأساليب الحكمة ولذلك كانت دواوينهم من جملة ما يقضي على طالب الأدب أن يتدارسها ويستظهرها وكانت مما أوصى بتعلمه ضياء الدين بن الأثير صاحب المثل السائر كل مشتغل بالمنظوم والمنشور لأنها حوت عامة المزايا اللغوية والأدبية. ومن أجل هذا ترى هذه الدواوين قد خدمت أجل خدمة منذ القديم ولاسيما ديوان أبي تمام وديوان أبي الطيب فنظر فيهما مشاهير اللغويين والعلماء وتعاورتهما الأقلام بالشرح والنقد إلا ديوان أبي عبادة البحتري لم نسمع بأن أحداً من العلماء تصدى لنقده غير أبي العلاء المعري.
فإن هذا العلامة الحكيم اللغوي أبى أن يغفل كلام البحتري من وضعه على محك انتقاده بعد أن ألف في ديواني الطائي والمتنبي كتابين مستقلين دعا الأول ذكرى حبيب والثاني معجز أحمد ـ فألف في الثالث كتاباً سماه عبث الوليد قال في مقدمته: أثبت ما في ديوان البحتري ما أصلحُ من الغلط الذي وجد في النسخة المكتوب في آخرها أنها بخط ظفر بن عبد الله العجلي وإنما أثبت ذلك ليكون مولاي الشيخ الجليل أدام الله عزه كأنه حاضر للقراءة ولم يمكن إثبات جميع الأغلاط لأن أكثرها غير محيل وقد وُصل بذكر شيء مما جرى إليه أبو عبادة من الضرورات وما بجنبه أمثاله وبالله التوفيق.
قال أبو العلاء في الكلام على قول أبي عبادة:
إذا تشاكلت الأخلاق واقتربت ... دنت مسافة بين العجم والعرب
إذا وقعت بين في هذا الموقع فالاختبار خفضها وكذلك ترفع إذا وقعت في موقع وقع كما جاء في الكتاب العزيز لقد تقطع بينكم أكثر القراء على الرفع ويجوز النصب فقال قوم يكون الاسم مضمراً كأنه قال لقد تقطع الوصل بينكم وقال قوم يضمر ما كأنه قال لقد تقطع ما بينكم وحسن حذف ما ههنا كما حسن حذف لا إذا قيل والله أفعل أي والله لا أفعل قال امرؤ القيس:
كلاَّ يمين الإله يجمعنا ... شيءٌ وإخواننا بني جُشما
أي لا يجمعنا. وهذا البيت ينشد بخفض بين ونصبها.
يديرونني عن سالم وأديرهم ... وجلدة بين العين والأنف سالم