ومن اوضح أوصاف النصرانية في عصورها الأولى حطها من قدر الزواج فكانت تعد هذا الارتباط من الأحوال المنحطة وتحسب البنين جناية وشراً وكأنت الأديار والصوامع حجبت عن العالم اصح العقول فكان خدمة الدين اما أن يمنعوا من الزواج بتاتاً او لم يؤذن لهم أن يتزوجوا غير مرة واحدة.
وقد نشأ بعض هذا الانحراف عن التشبه بالمعلم نفسه وبعضه عن أحوال متنوعة حملت النصارى الأول على تنظيم سلكهم.
وشدة تعلق نبي الناصرة بأهل المذهب الاسنى وانتظاره حلول الساعة في العاجل حين تنتهي جميع الارتباطات المدنية وانقضاء بعثته وهو في مقتبل العمر كلها أمور تجلو لنا أسباب حطة من قدر الزواج وكيف أنه (لم يجن على احد) واجتماعه بالتعمديين وهو اسني يرشدنا إلى طرف من حياته القصيرة التي تثير العواطف وشدة بغض بولس للنساء مع ما يعضده من كلام المعلم قوى في الكنيسة الاعتقاد الاسني بأن الارتباط الزوجي وهو اقدس العقود انما هو إثم يحب تجنبه ما امكن وكان يحسب المقصود من الزواج ايلاد الأولاد وقضاء الشهوة البهيمية ليس إلا. ولا تزالعقود الزواج في أكثر الكنائس مصبوغة بهذه الصبغةالخالية إلى يومنا هذا ولا يزال هذا التصور الدخيل على النصرانية يذهب بالناس حيث لا توجد العلوم الكونية إلى أن الرجل الذي لم يدخل دنيا قط هوأفضل كثيراً ممن تدنس بالزواج.
ويوجيس الهند المعفر بالرماد ونساك الشرق مسبلو الشعور واحبار بوذا هم من اهل التبتل وعندهم أن إدراك العلم لا يتم الا بحل الروابط الأهلية وأن الوصول إلى الازل لا يمكن الا بعيش التوحد وقد أخذت النصرانية الاعتقاد بالتبتل عن مشككي المشرق وزهاده.
ومن الناس من اتخذ عصمة المسيح من الاثم برهاناً على الوهيته ومنهم من اتخذها حجة على شدة فضله على غيره من المتشرعين وعندنا أن مقابلة فاسدة الأساس كهذه بين المسيح والنبي هي من الموهومات بتاتاً وأساسها خطاء في تقدير المقاييس الأخلاقية. وإن صح أن التبتل مما يجعل صاحبه كاملا فالمتصوفون والنساك والدراويش هم إذا الكاملون والحياة الكاملة تكون حينئذ بترك الروابط الأهلية وإن من المحقق أن نظرية مثل هذه لا تعد إلا أنحرافاً عن الفطرة وما نتيجتها الا الدمار.