بينما كنت أطالع مقالة البشر والشعوب في مقتبس الجزء الثاني وصلت إلى ذكر أصل الآريين صفحة ٧٠ وهو قولكم (معرباً عن الفرنسية) وآريهم من وراء جبال حملايا فخطر في بالي كلام بشأن الآريين ومنشأ لسانهم كنت سمعته في السنة الماضية من الأستاذ فرنكلن جدنغ أستاذ علم الاجتماع في جامعة كولمبيا في مدينة نيويورك وأحد الثقات في هذا العلم. وهو الرأي الأخير في منشأ الآرية على ما قرره علماء الاجتماع وهاأنذا ذاكره لكم.
قال الأستاذ المذكور في عرض خطابه عن الآريين: أنه لا يحق للأمم الآرية أن تفتخر على غيرها وتباهي بأصلها وفصلها زاعمة أن أصلها ممتاز على غيره إذ ليس ثم على التحقيق من شعوب آرية يرجعون في أصلهم إلى جنس واحد (على حد ما جاء في المقتبس صفحة ٧١) وكل ما هنالك من آرية الذين نعدهم في مصاف الآريين إنما هو اشتراكهم في بعض الأمور العقلية ورجوع لغاتهم إلى أصل واحد. فالآرية مطلقاً ليست جنسية إنما هي نوع من التهذيب اقتبسه هؤلاء الشعوب بعضهم من بعض.
ومنشأ هذه الآرية مختلف فيه فقد قال بعضهم أنه في الهند لرجوع اللغات الآرية إلى السنكريت (لغة الهنود القدماء) وقال آخرون أنه في لثوانية (الجنوب الغربي من روسيا) لأن أقدم أصول اللغة الآرية هي أقرب للغة اللثوانية منها للسنسكريت. على أنهم بعد ما بالغوا في التنقيب وغربلوا الدلائل قالوا أن غور الدانيوب هو منشأ التهذيب الآري ومنه تشعب إلى الجهات الأربع فامتد جنوباً إلى بلاد اليونان فآسيا الصغرى ثم غرباً إلى إيطاليا وإسبانيا وغاليا وغيرها وشمالاً إلى جنوبي روسيا وشمالي جبال القوقاس ثم عبر فرع بحر الخزر قزيين إلى أعالي بلاد فارس إلى الهند. وكل من أحكم درس فنون الهنود وآدابهم يرد كثيراً من مبادئها إلى مصادر فارسية. هذا هو الرأي الأخير في منشأ الآرية وله مقدمات ومستندات طويلة لا محل لبسطها الآن وهو أفضل رأي يعلل به نشوء الآرية وكيفية انتشارها على ما قيل والله أعلم.