للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خرائب مدينة بمبي]

كان اسم بمبي يطلق في القرون الخالية على مدينة أنشأها الرومأن في سفح جبل يزوف (في إيطاليا) مدينة توفرت فيها دواعي الهناء فأحبها عظماء البلاد وأصحاب الوظائف العليا فكانت مباءتهم في تلك الجنة. شادوا قصورا يختلفون إليها في الأحايين ليسروا عن أنفسهم الهموم ويجددوا ما فقدوا من قومهم في مشاغل السياسة.

ومما كان يزيد جمال تلك المدينة أنهم كانوا يزينون جدران بيوتها ومنازلها بأنواع النقوش الملونة بالأنواع السبعة المعروفة وفي آخر كل الشوارع كان نبع يجلس بجانبه المرء وأمامه الحدائق الغناء يشرف على بحر الروم وتتجلى له المناظر البديعة فيخال أنه في جنأن السماء ويتمنى لو يبقى هناك أبد الدهر. إلى هناك كان الناس يتقاطرون فرادى وأزواجا فيفرح المكروب كربته ويتناسى المنكوب نكبته ويزيد عدد المتنزهين يوم تروق السماء فيجتمعون على تباين المشرب وقد تحلى بعضهم بالملابس الأرجوانية وجلس الآخر على مقاعد الرخام يستظلون فكان البيت في تلك المدينة كقصر صغير لا يقل في فخامته عن القصور هذا الزمان أو هياكل أسلافنا الأولين.

كانت مساكن عظماء الرومأن في بمبي مثال الرونق والجمال ونموذج الأبهة والكمال على أحد تلك القصور زائر فيجتاز المدخل المزين بالعمد الكثيرة ثم يأتي الردهة العظمى التي كان صاحب المنزل يستقبل الضيوف فيها بالحفاوة والإكرام ويصغي إلى شكاوي المظلومين ويسمع مصانعات المنأفقين وفيها كان يودع ماله يضعه في صناديق الحديد ويكل أمره إلى رب المنزل. ثم يفضي المتفرج إلى غرفة أخرى قد دقت أرضها بالفسيفساء وزخرفت حيطانها بالنقوش وأنواع الصور ورصعت بالفصوص الذهبية والياقوت وسائر أنواع المعادن الثمينة وفيها يحفظون سجلات الأسر وأخبارها لأول أمرهم وكان في المنزل غرف متعددة مهيأة لتنأول الغذاء وحجر للنوم مزوقة مزخرفة وغرف أخرى تجعل فيها العاديات والأحجار الكريمة.

ثم ينتهي المتفرج إلى غرفة واسعة أعدت لمحاكمة المذنبين وهذه تفضل سائر الغرف لأنها كانت على حديقة وفيها جميع أنواع المبهجات فمن ثمر يفتن النواظر بألوانه المتفاوتة ومن ينأبيع تنبعث مياهها إلى كل صوب وتلطف الهواء ينشأ عنها أصوات تشنف الإذان ومن أوان خزفية زرعت فيها نادرة الوجود وإلى جانب هذه وضع بعض أنصاب الرجال