ليس في الأيدي من مستند يركن إليه في تاريخ حدوث الألقاب العلمية في الملة الإسلامية والظاهر أنها حدثت في النصف الأخير من عهد بني العباس وشاعت وتأصلت زمن ملوك الطوائف ثم عَلَى عهد الدولتين الجركسية والعثمانية في هذه الديار أيام أصبح العلم عبارة عن رسوم والعلماء هم الذين يقربهم الملوك والحكام ولو كانوا أجهل من قاضي جبل بل أصبح أمر الألقاب أقرب إلى الهزل منه إلى الجد فصارت جملة أعلم العلماء المحققين تطلق عَلَى كل صعلوك نال منصبه في القضاء أو الإفتاءِ أو التدريس بالشفاعة أو القرابة أو الإرث لأن العلم في الثلاثة القرون الأخيرة أصبح يورث كما يورث الماعون والحرثي والعقار والمزرعة.
نعم غدت الألقاب العلمية التي لم تطلق عَلَى أبي حامد الغزالي وأبي عمر والجاحظ وأبي الوليد وابن رشد وأبي النصر الفارابي إلا بشق الأنفس تطلق عَلَى ما يحتاجون أن يرجعوا إلى الكتاب بل عَلَى عامة ليس لهم من أدوات العلم إلا أنهم اهتموا بالبياض ولبسوا الجبة عَلَى الزي المتعارف لهم.
وإن ألفاظ العالم والعلامة والإمام والرباني والحبر التي لم تطلق عَلَى أكثر حملة الشريعة والعلم أيام نضارة الدين أصبحت تطلق عَلَى الجهلاء لعهدنا فبعد أن كانت هذه الألفاظ تجعل لأفراد في الأمة امتازوا ميزة ظاهرة بعقولهم وعلومهم وقد تستعرض القطر بل الأقطار بل العصر والأعصار ولا تجد واحداً استحق هذه الألقاب صرت إذا دخلت في عهدنا إلى مدينة صغير كطرابلس الشام تظن نفسك وجميع من لهم شيء من الذكر قليل أو تولوا منصباً ولو حقيراً في خدمة الحكومة يعطون لقب العالم الفاضل والعلامة الفاضل والإمام المحدث بدون نكير.
كان يقال لجبير بن زهير الحضرمي عالم أهل الشام وللخليل بن أحمد علامة البصرة ولمالك بن أنس إمام دار الهجرة ولعبد الله بن العباس رباني هذه الأمة أما اليوم فألفاظ عالم وعلامة وإمام تطلق عَلَى الممخرقين والمتنطعين الذين لم ينفعوا الأمة بشيءٍ فقد كان يلقب بالعلامة الأول قطب الدين الشيرازي كما يطلق لقب العلامة الثاني عَلَى سعد الدين التفتازاني عَلَى نحو ما أطلق عَلَى أرسطو لقب المعلم الأول والفارابي لقب المعلم الثاني.
تشدد القوم في إطلاق ألقاب التفخيم حتى عَلَى العلماء صيانة لألقابهم من الابتذال فرأينا