نشر المسيو نوفيكوف العالم الاجتماعي الروسي هذا الشهر كتاباً سماهالظواهر الاقتصادية والطبيعية ومسألة شقاء الناس قال في بعض فصوله أن أمر بؤس البائسين وغنى الموسرين قد شغل بال كثيرين وهي من المسائل المعقدة ذات الأطراف والتضاعيف. فيرى بعضهم أن الشقاء من الأمور الطبيعية كالفيضانات والزلازل وقلة الأمطار وأن من يحاول إبطاله من لاعالم كالذي يتخيل أن يجري أنهاراً من اللبن ويغرس أشجاراً تأتي بأرغفة من العجين مخبوزة. ومنهم من يقول أنه ليس ثمت شقاء على حين تثبت الإحصائيات أن تسعة أعشار الناس لا يأكلون عندما تطلب معدهم الأكل أو هم فقراء مقتر عليهم في أرزاقهم ويرى بعض أرباب الأديان أن الشقاء أمر تقضي به المشيئة الربانية ولكنهم لم يستطيعوا أن يدعوا أن الشقاء حسنة من الحسنات لئلا ينسبوا إلى المولى تعالى الظلم لعباده بل أنهم وقفوا عند حد الجنات التي وعد بها البائسون وأن العالم دار محن وأكدار وغربة لا دار قرار وراحة وأن الحياة الحقيقية السعيدة يتمتع بها المرء بعد وفاه. بيد أن كثيرين من رجال الدين وإن قالوا بأن الشقاء مما يثاب عليه صاحبه إلا أنهم ينعمون ويترفهون يأكلون الأطايب ويسكنون القصور ويلبسون الوشي والديباج ولذلك ما قط منع رجال الدين الناس من السعي في الخلاص من مخالب الشقاء وتحسين معاشهم وتكثير أرزاقهم. وأرى أن الأنفع أن يقضي المرء حياته في هذه الدنيا في رفاهة لأن ذلك لا يمنعه من ممارسة الفضائل ثم إذا كتبت له الجنة يذهب إليها ويتمتع بما وعد فيها من النعيم وهذا خير له من أن يعيش في دنياه شقياً لينعم باله في الآخرة. ولكن من لا يقولون بخلود النفس وعددهم آخذ بالنمو يرون هذه الفلسفة خيالية.
ويرى بعضهم أن الشقاء آت من استئثار بعض أشخاص بأموال طائلة وحرمان الفقير منها وأنه لو كفت أيدي الأغنياء عن احتكار القسم الأعظم من الثروة ولم يحرم منها السواد الأعظم بل قسمت بينه قسمة عادلة لأصبح الناس كلهم في سعة وفارق الشقاء بين بني آدم أخر الدهر. وليس احتكار أولئك الأفراد لثروة المجموع هو الحل الوحيد لهذه المعضلة بل أن الفقر ناشئ على الأرض من قلة الأرزاق اللازمة للحياة وإذا كانت هذه القلة ناشئة من أسباب المحيط والبيئة يصح أن يقال أن البشر في شقاء لأنهم لم يحسنوا استخدام الأرض وتسخيرها لحاجياتهم.