للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لا يبطل البؤس بتقسيم الأموال على السوية لأن تلك الأموال غير كافية لرفع الشقاء كما علم بالإحصاء فقد تبين بأنه إذا حجزت جميع الأرباح والمداخيل التي تزيد عن خمسة آلاف ليرة لتوزع على من تقل مداخيلهم عن هذه القيمة لا تزيد مداخيلهم أكثر من ١٢ بالمئة عما هي عليه الآن ولذلك اقتضى زيادة الثروة عشرة أضعاف ما هي عليه اليوم لإنقاذ البائسين من بؤسهم ونحسهم. ولعمري أي رفاهية ينالها العامل الذي يربح الآن ثمانية قروش في يومه إذا صار يربح تسعة وهل بهذا القرش يكون مرفهاً من أهل الطبقة الوسطى؟ وبعد فلا سبيل إلى حل المسألة الاجتماعية لا بزيادة الأرباح ألفاً في المئة والسبب الثاني في سقوط دعوى من يدعون بأن في تقسيم ثروة الأغنياء تفريجاً لكربة البائسين أن ثروة الأغنياء ليست بحراً لا ينضب وبراً لأحد له فلو فرضنا أن مورغان المثري الأمريكي له دخل سنوي قدره ٣٨ مليون فرنك ووزعه على أهل الولايات المتحدة لما أصاب الفرد سوى فرنك على أن هذا الغني لا يتأتى له أن يوزع على أهل بلده هذا القدر من الملايين إذا صودرت أمواله في السنة السابقة. وهكذا العمل بجميع الثروة فإنها إذا حجزت دفعة واحدة ووزعت دفعة واحدة لا يكون منها دواء مسكن لهذا الجرح المؤلم إلا مؤقتاً لما عرف من أن مطالب الحياة غير متناهية وغنى يوم لا يعد غنى لأيام.

ويغلط الاشتراكيون في خلطهم بين الثروة والمال وما الثروة إلا نتيجة تغيير المحيط بأن يقوم عمل الإنسان على قاعدة معقولة. وجمهور الناس يخطئون في تصورهم الثروة أنها ليرات وجنيهات موضوعة في صناديق أرباب المال فكما أن هذه النقود لا تحتاج إلى التجديد كل سنة وكما أنها كمية معروفة لا يمكن زيادتها يتوهم الناس أن الثروة كذلك وأنها إذا حصلت في اليد تبقى أبد الدهر. الثروة مؤلفة من بعض الوجوه من مجموع الغلات التي جعلت في الأسواق وينبغي أن تستخرج على الدوام من المحيط الطبيعي. لنفرض أن محصول القطن في سنة بلغ ١٢ مليار كيلو وأن هذه الكمية تسد حاجة البسر فليس هذا بشيء بل يقتضي أن تغل السنة التالية مثل هذه الكمية لأن محصول السنة السابقة قد استهلك وفني ولنفرض بأن في الإمكان توزيع الغلات على مساواة غلات السنة السالفة فإن مسألة الثروة العامة لا تنحل أيضاً إذ يلزم إعداد كمية مثلها للسنة التالية ولكن إذا لم يجر تقسيم السنة الماضية بحسب أدق قواعد العدل ومن غير أقل شدة تقل غلة السنة التالية