يقول بعض الباحثين أنه لم يعهد أن تحسنت الصلات السياسية بين الإسبانيين والأمريكيين في دور من أدوار التاريخ وأنه ما كانت صداقة بين الأمتين قط. حالة متسلسلة من عهد خريستوف كولمبس فاتح أميركا الأول فإنه اعتبر هذه القارة أرضاً مفتوحة فراح الاسبانيول من سهول قشتالة الوعرة والعجب أخذ من نفوسهم ينقضون على تلك الأراضي البكر ويسخرونها لأمرهم. فلم يحترموا معابد الشمس في بلاد الانكاس وربطوا خيولهم في قاعات القصور في المكسيك وراحوا يسفكون الدماء ويملؤون جيوبهم بالمال نهمين إلى أخذه وبذلك أصبحوا ملوكاً في العالم الجديد وأخضعوا أميركا الجنوبية إلا أقلها لسلطان قهرهم بالسيف والنار وأطاعتهم جزائر الأرخبيل الانتيل وجزءٌ عظيم من أميركا الشمالية حتى ساغ لشارلكان ملك إسبانيا أن يقول أن الشمس لا تغرب عن ممالكي ولكن لكل فجر شفق ولكل علو نزول. فقد تألفت في حجر البلاد المفتوحة على توالي القرون أجناس جديدة تنبه فيها فكر الاستقلال.
وبينما كان ملوك إسبانيا في قصر الأسكوريال غارقين في فسادهم (كما كان أسلافهم ملوك الأندلس لما طردهم الإسبانيون منها) غافلين عما يدبر في تلك الأصقاع النائية من بلاد أميركا كانت حركة الأفكار على أتمها في هذه البلاد. ولم يكد يجتاز نابليون جبال البرينيه الفاصلة بين فرنسا وإسبانيا حتى قامت بلاد أميركا الجنوبية على ساق وقدم وحذت المكسيك حذوها فانسلخت عن إسبانيا تلك الزهرات واحدة بعد أخرى. وفي غضون ذلك كانت تنمو مملكة الشمال من أميركا قد تجسد فيها فكر التبسط والتوسع داعية إسبانيا عدوتها القديمة للقتال مستندة إلى طالع قوتها وكان نجماً ساطعاً على حين كان نجم إسبانيا قد خوى وهوى.
وكان غير مذهب مونرو كيان تلك البلاد كما حرر سيف بوليفار أرض الجنوب من رق العبودية للدول الغربية. ولم يبق للإسبانيين من تلك الأصقاع المتنائية الأطراف بأسرها غير جزيرة كوبا فكانت لهم بمثابة جوهرة بديعة من بين تلك الحلي التي أضاعتها. فكوبا لؤلؤة الأرخبيل بلاد الأحلام والخيالات التي يمتد فيها سماط من الذهب الأخضر من حقول