للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[في ديار الغرب]

قل سيروا في الأرض

ليس كالسياحة تجدد الحياة وتزيد الاختبار وتعلم وتهذب وتزيد في الاعتبار بحوادث الليل والنهار. وإني لا تمنى لكل من ساعدته الحال أن ينهض ليعتبر ويتعلم ويتسلى فان النفس في قرارها تصدأ كما يصدأ الحديد بالرطوبة فهي تحتاج للنور وللحرارة وإلا فتذبل كالزهرة.

قال وليم هازلت من مفكري الانكليز أن الوقت الذي أمضيناه في السياحة الأجنبية مقطوع من عمرنا مفصول من حياتنا إلى وصله ولا وسيلة إلى إدماجه والمرء خارج وطنه رجل آخر غير الذي كان هنالك حتى أن المسافر ليودع نفسه فيمن يودع ولله در القائل خرجت من موطني ومن نفسي فمن أراد أن ينسى الحزن والشجن فليذهب إلى غير بلده من بلاد الله يجد في عجيب المناظر وغريب الأحوال سلوة وروحاً وتغيب من عينه مذكرات الهموم وباعثات الأسى ولذلك كنت انفق حياتي خارج بلادي لو وجدت من يقرضني حياة أخرى أنفقها في وطني حتى اقضي حقوقه.

كلمات حكمة وخبرة ولذلك ترى أكثر الأمم رقياً أكثرها سياحاً والعكس بالعكس.

والانكليز والأميركان هم في المقدمة ثم يجيء الألمان والفرنسيس وغيرهم من أمم المدينة الحديثة وامتنا العربية يكون محلها في قائمة السياح في الآخر بالطبع لأنها اعتادت سير القهقري وأنا لو أخرجنا المصريين من جملة السائحين في الغرب لا تجد لنا إلا عدداً يضحك بالنسبة لأرباب الرحلات من الأمم. أما العرب السوريون ممن يهاجرون إلى أمريكا فهؤلاء لا يقصدون من رحيلهم إلا الكسب ولا يعرفون على الأغلب كيف يستفيد المرء من سياحته علماً وعملاً.

نتمنى لامتنا أن يسيح منها العلماء والوجهاء والتجار والموظفون وأرباب الصنائع والزراعات الواسعة ممن يمكنهم ولو بعض الشيء تطبيق ما رأوه عند من ارتقوا عنهم مراحل. فهذه الطبقات الغنية هي التي تستفيد بالاحتكاك بغيرها من أهل طبقتها في الغرب إذا أخذت على نفسها البحث والدرس خلال التنقل وترويح النفس.

السياحة لا تكلف اليوم من العناء والمال ما كانت تكلفة منذ مئة سنة فان العارف قد يستطيع