نظام الأرض أن تدور دورة من الغرب إلى الشرق في كل أربع وعشرين ساعة فيكون الليل والنهار. ودورة في كل ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً من الغرب إلى الشرق فتتأتى عنها فصول السنة وهي الربيع والصيف والخريف والشتاء.
أتى على هذا النظام الذي سنه الخالق العظيم لحفظ الكون نحو ستة آلاف سنة عند علماء الدين وتسعة أو عشرة آلاف عام على رأي علماء طبقات الأرض. وما برحت الطبيعة محافظة على نظامها لأنه من لزومياتها. ومتى تشوش اختلت الأرض وقضي على من فيها بالتقهقر الملازم والخراب الدائم.
وما يقال في الأرض من حيث محافظتها على نظامها الطبيعي يقال في كل ما دب عليها من إنسان وحيوان وكل ما ينبت فيها من أعشاب ونباتات ومزروعات وغياض ورياض وغيرها.
فالبشر سن عقلاؤهم والمتمدنون منهم نظامات لهم لحفظ حقوقهم ومصالحهم المدنية والعمرانية والعمومية والخصوصية وغير ذلك. وللحيوانات على تباينها نظامات تمشي بموجبها وإن لم يدركها أكثر البشر.
هذه طائفة الذئاب من الوحوش الكاسرة يظنها معظم الناس لا ترتيب لديها ولا نظام على أن لها نظامات يجهلها الإنسان. وهذه طائفة النمل التي ينظر إليها المرء نظرة الازدراء والاحتقار حازت من النشاط والترتيب والنظام ما يذهل العقول ويحير الأفكار.
راقب سرباً من الذئاب يسير في البرية ترى له قائداً يقوده. وكل ذئب منه يسير بترتيب وراء رفيقه وكأنها كلها جنود مدربة يقودها قائد محنك. وتأمل طائفة من النمل في جدار تلق ما لقيته في سرب الذئاب من القيادة أو الزعامة والترتيب والنظام.
وما يقال في الذئاب والنمل يقال في سائر الحيوانات كاسرة كانت أو داجنة وطائرة أو سابحة. ويلحق كل من يخالف النظام من تلك الحيوانات قصاص بقدر جرمه. فالذئب الذي لا يسير على سنن النظام أو يخالفه إذ يمشي سربه يرتد عليه قائد السرب ثم سائر الذئاب فتمزقه تمزيقاً. وبديهي أن هذا القصاص عند طائفة الذئاب من الحيوانات بمثابة قتل القاتل عند البشر. وكل ما يقال في الذئاب بهذا الشأن يقال في غيرها من الحيوانات.
خلق الله الإنسان الأول آدم وسن له شريعة ونظاماً كما برأ تعالى الخليقة وسن لها نظامات